عثمان ميرغني : إذاعة بلادي

حديث المدينة  الإثنين 17 مارس 2025
عشرات الحوارات المباشرة على الهواء أجرتها معي إذاعة بلادي خلال سنوات طويلة مضت، وأجد نفسي منطلقًا في الحديث عبر أثيرها لاعتبارين: الأول هو حسن الإعداد وتقديم جديد تتدفق فيه الأسئلة بصورة سلسة، تساعد في إيصال الفكرة واضحة بلا تشويش، والثاني اتساع دوائر انتشارها.
نهار أمس، فوجئت بالصدى الواسع بعد حوار قصير في إذاعة بلادي. مباشرة تلقيت عشرات الرسائل، وتابعت حلقات من الحوارات التي دارت في مواقع التواصل الاجتماعي. وسبب إحساسي بالمفاجأة ليس ردود الأفعال الواسعة، بل في دهشة الكثيرين رغم أنني ولسنوات ظللت أردد هذه الأفكار نفسها. نشرت إذاعة بلادي تلخيصًا لبعض النقاط التي تحدثت عنها، وهنا أقتبس بعضها:
•هذه حرب وجودية. الجيش أنجز ما عليه، والسياسيون فشلوا في مهمتهم، وهذا يعني بقاء الجيش في المعادلة السياسية لأطول وقت، لأن من الجنون التفريط في الوطن مرة أخرى.
•الجيش ظل يتحمل ويدفع ثمن أخطاء القوى السياسية طيلة السبعين عامًا الماضية.
•ما يقوم به السياسيون الآن لا يرقى لما تقوم به القوات المسلحة في الميدان.
•الشعب فقد الثقة في الأحزاب السياسية، وبعضها لن يكون له أثر في المستقبل.
هذه المعاني ظللت أكررها لدرجة أن البعض ضجر من تردادي لها، ومع ذلك تبدو الآن للبعض مفاجأة، ليس لأنهم لم يسمعوا بها على لساني من قبل، بل لأنهم اكتشفوا الحقيقة التي كنت أحذر منها، أشبه بمن يرى في منامه رؤيا ثم يستيقظ ويتفاجأ بها حقيقة، فيصدمه الواقع وكأنه لم يرَها من قبل.
عندما بدأت هذه الحرب، كررت أن الحل بيد القوى السياسية وليس العسكريين، وأن بإمكانهم أن يضعوا نهاية مبكرة لها إن عقلوا وأرادوا، وقلت إنها ستكون الفرصة الأخيرة لإعادة تقديم أوراق اعتمادهم للشعب لنيل ثقته. لكن إذا انتهت الحرب والملعب السياسي على خَطَله وعبثه، فإن المستقبل لن يحمل قريبًا نظامًا ديمقراطيًا بالصورة التي يتصورها الساسة الذين ينتظرون السماء أن تمطر ذهبًا وديمقراطية.
وبدلًا من الاجتهاد في تغيير الواقع السياسي، أفرطت القوى السياسية -كلها بلا استثناء- في المضي في الطريق والسلوك ونهج التفكير ذاته، غير قادرة على استيعاب المصالح القومية العليا التي يجب الاتفاق عليها، بغض النظر عن الوسائل التي يمكن أن تختلف التقديرات حولها.
 القوى السياسية، بكل أسف، ينطبق عليها المثل الشعبي المصري “حافظ مش فاهم”. يستسهلون مضغ العبارات السياسية الجامدة وتكرارها دون تطوير أساليب فهمهم للقضايا وسبل تفكيك معضلاتها وتحفيز طاقاتها الإيجابية لتجمع همم السودانيين، بدلًا من تفريقهم في خلافات عبثية هوائية لا تُفضي إلى تغيير الواقع النكد.
من الحكمة أن تحاول القوى السياسية -بمختلف مسمياتها- اللحاق بآخر عربة في القطار المتحرك نحو تدشين دولة جديدة في السودان.
 قد تتحقق المعجزة.. معجزة أن يركبوا في قطار النهضة.

اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *