حديث المدينة الأحد 16 مارس 2025
يتوقع أن يصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أمرًا بحظر دخول رعايا دول محددة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى رأسها السودان. و ليست هي المرة الأولى، فقد شهدت فترة حكمه السابقة قرارًا مشابهًا حظر بموجبه دخول السودانيين، حتى حاملي “البطاقات الخضراء”، مما تسبب في ارتباك كثيرين كانوا يقضون عطلاتهم مع أقربائهم وأحبابهم في السودان، فاضطروا إلى مغادرته على عجل خشية إغلاق الأبواب أمامهم. وبعضهم لم يتمكن من الوصول إلى أمريكا قبل سريان القرار.
هل يكرهوننا إلى هذا الحد؟
أم أن الواقع عكس ذلك، ونحن من يرغمهم على كراهيتنا، ولو رسميًا؟
تاريخ العلاقات الخارجية السودانية يحمل الكثير من التناقضات الصارخة. في عهد الجنرال إبراهيم عبود، كان شعاره “جئتكم بصداقات الشعوب”، بينما تحول الواقع اليوم إلى “جئتكم بصدقات الشعوب”. أصبحت الدولة ترسل كبار وزرائها لاستقبال طائرات الإغاثة في المطار، والتقاط صور لوجوه ضاحكة تُبث في نشرة الأخبار المسائية على تلفزيون السودان كجزء من “الإنجازات”.
في زمن الحرب الباردة والاستقطاب الحاد بين الغرب والشرق، كانت الجماهير في واشنطن ترحب بزيارة الرئيس السوداني عبود، وهو يلوّح لها من عربة مكشوفة برفقة الرئيس جون كينيدي. ثم زار موسكو في الاتحاد السوفيتي، والهند، وبلغاريا، ويوغوسلافيا، وألمانيا الغربية التي قدمت له أول محطة تلفزيونية “تلفزيون السودان”، وأول مصنع للذخيرة في أفريقيا، وأول مصنع للسكر.. غربا و شرقا كان السودان مرحبا به.. رغم الاستقطاب الدولي.
بعد رحيل نظام عبود، وفي عز هجير الخلافات العربية عقب نكسة يونيو 1967، كانت الخرطوم العاصمة الوحيدة التي تحتضن قلوب الزعماء العرب، فاجتمعوا في مؤتمر القمة التاريخي المشهود.
لكن في العهود التالية، تحولت الحكومات السودانية إلى الاحتفاء بمقاطعة دول العالم. ذات يوم، حملت صحيفة “الأيام” عنوانًا رئيسيًا: “السودان يقاطع بريطانيا”، ونشرت صورة كبيرة تظهر السيد محمد أحمد المحجوب، وزير الخارجية، جالسًا في مكتبه، بينما يجلس سفير بريطانيا على مقعد جانبي لحظة إبلاغه بقطع العلاقات الدبلوماسية.
ثم قطع السودان علاقاته الدبلوماسية مع أمريكا وألمانيا. لم تمضِ سنوات قليلة حتى استعاد السودان تلك العلاقات مجددًا، لكن المفاجآت لم تنتهِ. فبينما كانت ألمانيا الغربية تعد برنامجًا تنمويًا طموحًا للسودان يشمل نقل تكنولوجيا متقدمة في الصناعة والزراعة والطاقة، فاجأت حكومة انقلاب جعفر نميري الجميع بزيارة ألمانيا الشرقية، وقدمت “عربون محبة” بقطع العلاقات مع ألمانيا الغربية للمرة الثانية.
أما في عهد البشير، فقد بلغ الأمر ذروته. بدأ بالغناء للقطيعة: “أمريكا وروسيا قد دنا عذابها”، وظل يردد: “طالما أمريكا تقاطعنا، فنحن على الدرب الصحيح”. تطورت الحالة إلى مرحلة الصياح في اللقاءات الجماهيرية: “أمريكا تحت جزمتي”، مصحوبة بحركة مسح بالحذاء على الأرض.. وامتدت قائمة المقاطعة لتشمل ثلاثة أرباع دول العالم.
ربما نحتاج إلى تعديل السؤال: لماذا نكره نحن العالم؟ أو بالأحرى، لماذا نكره الآخر؟ وقد يكون هذا “الآخر” سودانيًا من دمنا ولحمنا، لكنه ليس من فِكِرِنا. لم يعد يكفي أن تكون سودانيًا، بل يجب أن تكون إسلاميًا إذا كنت تواجه إسلاميًا، أو بعثيًا مع بعثي، أو شيوعيًا مع شيوعي. وصلنا إلى مرحلة الكراهية بالهوية الفكرية، حيث لم تعد قلوبنا تطيق الاختلاف، لا في الفكر فحسب، بل حتى في الفكرة الواحدة. فأصحاب الفكر الإسلامي اختلفوا وتجالدوا بالسيوف عند اختلاف الفكرة، وكذلك الشيوعيون والبعثيون وأنصار الأمة والاتحاديون.
والآن، وصلنا إلى مرحلة “الكراهية بالحالة”: أكرهك إذا اختلفنا في فكرة معينة، وأحبك إذا اتفقنا في فكرة أخرى. قد يصبح المرء في المساء كارهًا لمن كان يحبه في الصباح.
لماذا نكره أنفسنا؟
نقلا عن : موقع صحيفة التيار السودانية
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.