بقلم / فادي عيد
لا تُحسم الحروب دائمًا في ساحات الاشتباك المباشر، بل كثيرًا ما تُحدَّد مآلاتها في دوائر النفوذ ومواقف الحلفاء. ولهذا، فإنّ الضربات العسكرية التي تستهدف إيران لا تنذر فقط بتحوّل إقليمي خطير، بل تطرح سؤالًا استراتيجيًا مقلقًا: ماذا يعني تراجع إيران بالنسبة لحماس، ولحرب غزة المستمرة منذ أكثر من سنة وثمانية أشهر؟
طوال سنوات، شكّل النظام الإيراني الشريان الأساسي لدعم حركة حماس، سياسيًا وماليًا وعسكريًا، ليس فقط عبر التمويل والسلاح، بل أيضًا من خلال توفير المظلة السياسية في محافل عديدة، إلى جانب تركيا.
غير أن انشغال طهران هذه الأيام بجبهتها الداخلية، التي تتعرّض لضربات عسكرية إسرائيلية مباشرة، قد يعيد رسم خريطة موازين القوى في المنطقة. فإذا ضعفت إيران، ضعفت الأذرع التابعة لها، وإذا انكفأت عن دعم حركة حماس، ستتراجع قدرة الحركة على الاستمرار في الحرب لمدة أطول، أو على الأقل تتراجع قدرتها على التصعيد.
لا يعني هذا بالضرورة نهاية الصراع، لكنه قد يكون بداية لتغيير قواعد اللعبة. فقد اعتمدت حركة حماس طويلًا على ثنائية “الصمود والدعم الخارجي”، وفي غياب أحد الضلعين، تصبح المعادلة غير مستقرة. ومع تقلّص الدعم الإيراني، يتقلّص النفوذ الإقليمي للحركة، التي لا تحظى بدعم عربي رسمي، على عكس السلطة الفلسطينية.
ويرى الوسطاء أن هذا التراجع يشكل فرصة لا تُقدّر بثمن. فإذا اجتمع ضعف الدعم الإيراني مع الضغط الدولي، والإنهاك الشعبي الداخلي في غزة، فإنّ إمكانية التوصل إلى وقف إطلاق نار دائم تبدو أكثر واقعية من أي وقت مضى. إنها لحظة قد لا تتكرر، لحظة يمكن فيها للعقل السياسي السليم أن يتغلب على منطق الشعارات.
في هذا السياق، يتحوّل مسار الحرب في غزة من مسألة فلسطينية داخلية إلى ملف إقليمي مرتبط بمصير إيران، وحجم تدخلها، وطبيعة الردود الدولية على ذلك. فكلّ تغيّر في المعادلة الإيرانية ينعكس حتمًا على مصير قطاع غزة. وإذا كانت المقاومة قد استمدّت زخمها في الماضي من الدعم غير المشروط، فإنها اليوم تواجه واقعًا متغيّرًا تفرضه الظروف لا الخطابات.
ربما آن أوان التحول من “استثمار الدماء” إلى استثمار الفرص. وربما لم تعد مفردات “الصمود” كافية لتفسير حجم الدمار، ولا شعارات “التحرير” كفيلة بتبرير هذا الخراب. فعندما يضعف الداعم، وتترنّح المنصة التي يُعلو منها الصوت، لا بد من إعادة قراءة المشهد من جديد: ماذا نريد؟ حربًا بلا أفق، أم مخرجًا يُنقذ ما تبقى من حياة في غزة المدمرة؟
أخيرًا، لا تُقاس قوة حماس بما تبقّى لها من صواريخ، بل بما تبنيه من أمل لدى الغزيين الذين أنهكتهم ويلات الحرب والموت والدمار. ولا يُقاس النصر بعدد الأيام التي صمدت فيها، بل بقدرتها على تحويل ذلك الصمود إلى مشروع سياسي يُعيد للناس كرامتهم ويضمن لهم مستقبلًا، لا أن يُعلّقهم في دوامة انتظار لا تنتهي. ولعلّ المستقبل القريب يحمل طوق نجاة جديدًا وفرصة قد تكون الأخيرة أمام قطاع غزة للخروج من النفق المظلم الذي فرضه الاحتلال الإسرائيلي، في ظل انشغال بنيامين نتنياهو وحكومته بإيران، بعد أن سحبت إسرائيل جزءًا كبيرًا من قواتها من قطاع غزة لحفظ الأمن في جبهتها الداخلية.
فادي عيد
fady.world86@gmail.com
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.