عثمان ميرغني يكتب : زيارة البرهان إلى القاهرة

حديث المدينة الثلاثاء 29 أبريل 2025
استجابةً لدعوة رسمية، وجد رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، عبد الفتاح البرهان، استقبالاً فخماً في مطار القاهرة الدولي صباح أمس. استقبله رئيس جمهورية مصر العربية، عبد الفتاح السيسي، بكامل إجراءات البروتوكول الرسمي.
بدأت المباحثات بلقاء ثنائي مغلق بين الرئيسين، ثم انتقلت إلى جلسة مشتركة مع الوفدين. وصدر بيان رسمي أوضح الأجندة التي تناولتها المباحثات، ولم يترك شاردةً أو واردةً في القضايا الثنائية، والتي قد تتطلب أياماً من التداول إذا طُرحت للنقاش.
يبدو من البيان أن غالبية الأجندة كانت متفقاً عليها قبل لقاء القمة، مثل مسألة سد النهضة، التي يتطابق فيها موقف البلدين، والربط الكهربائي، الذي لا تزال مصر تتقدم فيه كثيراً عن الجانب السوداني. و قد تكون هذه القضايا أُدرجت في صياغة البيان لتأكيد التوافق عليها لا أكثر.
ولأن الدعوة رسمية من الرئيس السيسي، وسبقها زيارة رئيس المخابرات المصرية، اللواء حسن رشاد، إلى بورتسودان، فقد ارتكز محور الزيارة على الاجتماع المغلق بين الرئيسين.
لم يكن ممكناً مناقشة قضايا حساسة تتعلق بالأمن القومي المشترك للبلدين إلا من خلال التواصل المباشر. وترتفع الشفافية عندما تنحصر بين الرئيسين. وبقدر ما يصعب الإفصاح للإعلام عن تفاصيل المباحثات الثنائية المغلقة، يمكن استشراف ما دار وما قد يكون خلاصة ما توصلت إليه.
الأمن القومي المشترك للبلدين مرتبط عضوياً، ولا يحتمل أريحية انتظار الوقائع حتى تقع، خاصة بالنسبة لدولة راسخة في الحضور الإقليمي والدولي مثل مصر، التي تمتلك القدرة على النظر في أفق استراتيجي وتقدير ما يجب تحقيقه في الحاضر للتحكم في المستقبل.
تواجه مصر ملفين مهمين: الأول يتعلق بسلامة الدولة السودانية والحفاظ عليها متماسكة ومستقرة، والثاني التعجيل بإطفاء نيران الحرب في السودان حتى لا تتدحرج وتتصل بقضايا دولية ملتهبة في المنطقة، مما قد يحولها إلى أزمة مركبة بأبعاد تتجاوز الحدود السودانية.
يجتهد الطرح المصري في المحافظة على مبدأ عدم التدخل في الشأن السوداني إلا بما يتوافق مع المطالب والمصالح السودانية. وقد يكون هذا أحد أكثر محددات الدور المصري تعقيداً لعدة أسباب:
أولاً: الغموض الذي يحيط بالجانب السوداني من حيث رؤيته ونظرته لترتيبات المستقبل الداخلية والثنائية مع مصر. ويزيد من تعقيد هذا الغموض غياب التأسيس الاستراتيجي للسياسة الخارجية السودانية.
ثانياً: ضعف الاستجابة للمطلوبات التي تدفع الدور المصري لتحقيق أقصى المصالح للسودان، بما يعزز العلاقات الثنائية ويؤهلها لمزيد من التعاون والشراكات العميقة في المجالات السياسية والاقتصادية والأمنية.
ثالثاً: أن مصر لا ترغب في التدخل العسكري المباشر في السودان، رغم استفزاز خطاب التمرد ومحاولة جرها إلى الملعب، مثل التهديد بضرب السد العالي وما إلى ذلك من الأوهام. وفي الوقت ذاته، تتجنب مصر الضغط على القوى السياسية السودانية لتبني أطروحات فاعلة لإدارة المشهد الداخلي المتضعضع. وقد طرحت مصر في السابق وساطة إقليمية لرأب الصدع مع الإمارات، لم تتحمس لها القيادة السودانية.
تتطلب حسابات مستقبل العلاقات السودانية-المصرية إعادة ضبط بما يسمح بالنظر إلى أفق استراتيجي مشبع بطموحات المصالح المشتركة للبلدين.

نقلا  عن:صحيفة التيار


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *