بقلم -د. أمجد إبراهيم سلمان
نظّمت رابطة الأطباء السودانيين في قطر في دار الجمعية القطرية للسرطان ورشة علمية متميزة من يومين كاملين بعنوان “أسس الاتصال بين الأشخاص و الثقافات”، قدمها باقتدار الدكتور محمد حمزة زين العابدين سيد أحمد، الأستاذ بقسم العلوم الطبية الأساسية بكلية الطب في جامعة قطر.
وذلك في يومي الجمعة 18 و السبت 19 أبريل منذ الساعة الثامنة صباحا و حتى الساعة الرابعة ظهرا ما مجموعه 16 ساعة أكاديمية في نظام التدريب الطبي المعترف به في وزارة الصحة العامة في قطر ،.
الورشة تم تنظيمها في قاعة المحاضرات بـدار الجمعية القطرية للسرطان بمنطقة السد، بحضور نخبة من الكوادر الطبية والأكاديمية من السودان و عدة دول أخرى مثل الهند و لبنان و مصر و تونس و كوبا.
ورشة اليوم الأول كانت حول أسس التواصل بين الأشخاص:
تناولت الورشة موضوع الاتصال الشخصي من منظور علمي وإنساني، حيث استعرض المحاضر الخصائص الست الأساسية للاتصال، وهي: أن الاتصال رمزي قائم على استخدام الكلمات والإشارات، وتفسيري يرتبط بكيفية فهم الرسائل، وتفاعلي بين طرفين أو أكثر، وسياقي يتأثر بالزمان والمكان، كما أنه عملية مستمرة ومتطورة، ويتطلب وجود معانٍ مشتركة بين أطرافه.
وأكد الدكتور محمد حمزة أن الاتصال بين الأشخاص يختلف عن الأشكال الأخرى من الاتصال، إذ يتميّز بالخصوصية، ويحدث بين أفراد يتفاعلون بشكل مباشر ومخصص، وتكون الرسائل فيه نابعة من العلاقة الشخصية وليست نمطية أو مؤسسية.
وفي محور مختلف ، أوضح المحاضر الفرق بين نوعي العلاقة التواصلية:
الأولى هي أنا و الموظف الذي أديره (الشخص) وهي علاقة سطحية أو غير شخصية، تفتقر للبعد الإنساني العميق.
الثانية و هي علاقة أنا و زميلي في العمل وهي علاقة شخصية تقوم على الاحترام، والتقدير المتبادل، والاعتراف الكامل بإنسانية المرئوسين و يتم فيها التواصل على البعد الأنساني أثناء أداء الجميع للعمل في فريق واحد.
كما شدد على أهمية الاتصال الفعّال في تحسين نوعية العلاقات على مختلف المستويات، سواء في نطاق الأسرة أو بين الأصدقاء والشركاء العاطفيين، أو في بيئة العمل، مبينًا أن التواصل الجيد يسهم أيضًا في تحسين الصحة النفسية والبدنية، ويعزز من فرص النجاح المهني.
تناولت المحاضرة أيضًا عناصر عملية الاتصال الأساسية ، مثل المُرسِل، والترميز الذي يحدث للرسالة، والرسالة، والوسيلة، والمتلقي للرسالة ، والتغذية الراجعة (رد الفعل الذي تحدثه عند المتلقى) والعوائق (كالضوضاء و التشويش الذي يحدث أثناء عملية الإرسال )، والسياق الذي تحدث فيه العملية الاتصالية.
كما عرض المحاضر ثلاثة نماذج تفسيرية للعملية: نموذج الاتصال كفعل، كنشاط تفاعلي، وكعملية متبادلة مستمرة.
وفي جزء آخر من المحاضرة، تم تسليط الضوء على تأثير النوع الاجتماعي (الجندر) على أساليب التواصل، موضحًا أن الرجال والنساء يختلفون في طرق التعبير عن الأفكار والمشاعر، وأن الوعي بهذه الفروق يساعد على تحسين الإستيعاب وتقليل سوء التفاهم.
كما تم التطرق إلى التواصل العاطفي، حيث أشار الدكتور محمد إلى أن التعبير عن المشاعر في العلاقات الشخصية أكثر احتمالًا، ويتم بشكل لفظي وغير لفظي، وأن العواطف تتأثر بالثقافة ويمكن أن تنتقل من شخص لآخر، وهو ما يبرز أهمية الذكاء العاطفي، الذي يشمل الوعي بالذات، والتعاطف مع الآخرين، وتنظيم المشاعر، وإدارة العلاقات بشكل ناضج وبنّاء.
وفي الختام، تناولت المحاضرة تحديات الاتصال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، موضحًا أن التواصل الإلكتروني يفتقر إلى الإشارات غير اللفظية التي تحمل غالبًا البُعد العاطفي. واستعرض المحاضر ثلاث نظريات تفسيرية لفهم الاتصال الإلكتروني:
أولاً: نظرية نقص الإشارات.
ثانيا: نظرية معالجة الإشارات الإجتماعية.
ثالثا: نظرية ثراء الوسائط التواصلية.
وختم الدكتور محمد ورشة اليوم الأول بالتأكيد على أن تطوير مهارات الاتصال الشخصي هو مدخل ضروري لتعزيز الكفاءة المهنية والاجتماعية ، مشيرًا إلى أن الشخص المتواصل بكفاءة يجب أن يكون واعيًا، ومثقفًا إعلاميًا، ومتحفزًا، ومتعاطفًا، ويمتلك مهارات التفكير النقدي والانفتاح الثقافي.
ورشة اليوم الثاني كانت حول الاتصال الفعّال بين الثقافات.
استعرض الدكتور محمد حمزة خلال المحاضرة مفهوم الثقافة بوصفها منظومة مكتسبة من القيم والمعتقدات والممارسات التي تحدد سلوك الأفراد داخل مجتمعاتهم، مؤكّدًا أن الثقافة تؤثر بشكل مباشر على أساليب التواصل، وقد تؤدي إلى سوء فهم أو تصادم في البيئات المتعددة الثقافات.
وأوضح محاضرنا المتمكن الأبعاد السبعة الرئيسية التي تُميز الثقافات حول العالم، وهي: الفردية مقابل الجماعية، السياق العالي مقابل السياق المنخفض في الاتصال، القيم الذكورية مقابل الأنثوية، التسامح مع الغموض ، البعد السلطوي في الثقافات المختلفة ، التوجه الزمني والانفتاح مقابل الأنغلاق أو الكبت ، كل تلك الأبعاد تقيس مدى تقبل المجتمع لإشباع رغبات و إحتياجات أفراده في التطور و النمو.
كما ناقش الدكتور محمد حمزة التحديات التي قد تعيق الاتصال بين الثقافات، مثل التمركز حول الذات الثقافية (الإثنوسنتريّة)، واختلاف رموز وأساليب التواصل، والتعميمات النمطية و التحامل على ثقافة الآخر المختلف، والافتراضات المسبقة بالتشابه أو الاختلاف، داعيًا إلى ضرورة تطوير كفاءة التواصل عبر الفهم العميق لثقافة الآخر. و وضح خطورة الافتراض بالتشابه أو بالاختلاف المطلق: إذ يظن البعض أن الآخرين يشاركونهم ذات الرؤية أو يختلفون تمامًا، وكلا الموقفين يؤدي إلى خلل في الفهم. و قد يؤدي إلى حدوث تناقضات كبرى و في بعض الأحايين قد تنشب أشكالات عميقة بين الجماعات أو الدول نظراً لتبنيها لآراء أحادية لا تسمح لثقافة الآخر بالوجود لعدم تقبلها.
نحو كفاءة تواصل بين الثقافات
أكّد الدكتور محمد أن الاتصال بين الثقافات لم يعد خيارًا في عالم اليوم، بل ضرورة مهنية واجتماعية، خاصة في دول مثل قطر التي تجمع عشرات الجنسيات والخلفيات الثقافية.
وأشار إلى أن الكفاءة التواصلية بين الثقافات تتطلب:
الوعي الذاتي والثقافي
الاحترام والتسامح
المرونة في التعبير والاستماع
التفكير النقدي والانفتاح الذهني
القدرة على التفاوض والتأقلم
وأكد الدكتور محمد على أهمية هذه المهارات في بيئة كدولة قطر التي تجمع أفرادًا من خلفيات وجنسيات متعددة، مشيرًا إلى أن الكفاءة في التواصل بين الثقافات تسهم في بناء مجتمع صحي ومنتج يسوده الاحترام والتفاهم. كما دعا إلى تبني نهج تعليمي وتدريبي مستمر في المؤسسات الصحية والتعليمية بمختلف تخصصاتها لتطوير هذه المهارات ضمن الكوادر المهنية، لما لها من أثر مباشر على جودة الخدمات، وفعالية فرق العمل، وراحة المرضى والعملاء و المراجعين في السياقات المتنوعة و المجالات المختلفة.
في ختام الورشة الثانية ذكر الدكتور محمد امتنانه الشديد لكلية الطب جامعة الخرطوم لما زرعته فيه من محبة للعلم و معهد كارولينسكا في السويد حيث تحصل على درجة الدكتوراه و كينجز كوليدج في بريطانيا حيث أجرى أبحاث ما بعد الدكتوراه ، لقد كانت المحاضرات الماراثونية خلال يومين كسباً معرفيا كبيراً خاصة مع الأسلوب التفاعلي الذي اتبع في تدريسها ، و قد ختم اليوم بتزجية الشكر للدكتور خالد محمود السكرتير الأكاديمي للرابطة و الذي كانت لمثابرته في التنظيم و المتابعة نصيب الأسد في نجاح هذه الورشة و ما قبلها من ورش التطوير الأكاديمي التي رعتها رابطة الأطباء السودانيين دورة 2023 – 2025.
بقلم د. أمجد إبراهيم سلمان
الأحد 20 إبريل 2025
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.