حديث المدينة الخميس 6 مارس 2025
انظر إلى هذه اللوحة الجميلة: مصر رفضت بأقوى العبارات تكوين “أي أطر موازية للأطر الرسمية في السودان”، والأمين العام للأمم المتحدة، ومجموعة دول الخليج وعلى رأسها السعودية.
وأخيرًا أمس، أعلن الرئيس اليوغندي يوري موسيفيني رفضه لمشروع الحكومة الموازية. بكل تأكيد، هذا الموقف الدولي مطلوب ومهم لتأكيد وحدة السودان ورفض العبث بسيادته.
ولكن..
من الحكمة أن ننظر إلى الأمر من زاوية أخرى قد لا تروق للكثيرين. هذه المواقف الدولية جاءت “رد فعل” على توقيع ميثاق “التأسيس” في نيروبي والحديث عن تكوين حكومة قريبًا. الفعل كان من جانب الدعم السريع والقوى السياسية المتحالفة معه، ورد الفعل الرافض جاء من هذه الدول المهمة، معبرًا عن رفض دولي وإقليمي. فيصبح السؤال المهم: أين دبلوماسيتنا؟
قد يرد البعض بأن هذا الرفض هو ثمرة جهود دبلوماسية سودانية، لكن هذا ليس صحيحًا. هذه الدول اتخذت مواقفها وفق سياساتها الخارجية وقراءة حصيفة لما قد تؤدي إليه هذه الخطوة. فالخطوة تبدأ بالحديث عن حكومة اتحادية لكل السودان، لكن الواقع لن يسمح لها إلا أن تكون محصورة في مناطق ضيقة تحت سيطرة التمرد. ثم تتطور الفكرة إلى حكومة ضرار على غرار النموذج الليبي، وسرعان ما تتحول إلى مشروع دولة مستقلة، لتصبح الأولى في سلسلة انقسامات تالية تؤدي إلى تحويل السودان إلى دويلات متنازعة تهدد السلم والأمن الدوليين.
ونعود للسؤال: أين دبلوماسيتنا؟
صحيح أن ردود أفعال الدول الشقيقة والصديقة تسعدنا وتؤكد مواقفها القوية مع وحدة وسيادة بلادنا، لكن هل هذا هو غاية المرام؟ أليس في الإمكان أفضل مما كان؟
أساسًا، هل كانت وحدة وسيادة بلادنا موضع اختلاف على المستوى الدولي والإقليمي؟ منذ رفع علم السودان في صباح الأحد 1 يناير 1956، لم تكن بلادنا بحاجة إلى من يؤكد لها وحدتها وسيادتها.
الواقع حاليًا يظهر أننا نعاني من غياب سياسة خارجية ذات أبعاد استراتيجية، مما أدى إلى ضمور علاقاتنا الخارجية، لدرجة أننا نفرح بمجرد تأكيد المؤكد: وحدة بلادنا وسيادتها.
استبشرنا كثيرًا بوصول الدكتور علي يوسف إلى موقع مايسترو الدبلوماسية السودانية، وأذكر أنني قلت له في أول لقاء مع الصحفيين بعد يومين فقط من تكليفه: إن الشعب السوداني يتذكر علامات فارقة في دبلوماسيته، أسماء سادت ثم رحلت ولم يرحل بريقها، مثل المحجوب، وأحمد خير، ومنصور خالد، وجمال محمد أحمد –هذا إذا توقفنا عند الثمانينيات فقط- ومن الحكمة أن يبحث عن أفضل مقعد بينهم، وهذا لن يتحقق إلا بتطوير مؤسسة دبلوماسية تستمد قوتها من الجيواستراتيجية السودانية وقدرتها على امتلاك “البطاقات”، تلك البطاقات التي قال الرئيس الأمريكي ترامب لنظيره الأوكراني إنه لم يعد يملكها.
ربما تكمن الميزة التفضيلية لوزارة الخارجية، مقارنة بغيرها من الوزارات، في استنادها إلى إرث تاريخي متصل لم ينقطع إلا قليلًا، وبصورة قد لا تكون مؤثرة في تماسك خبرة الدبلوماسية السودانية. ويكاد يكون مرفق الخارجية السودانية الأكثر اكتظاظًا بالعقول النيرة ذات الخبرات الطويلة الممتدة عبر أرجاء العالم، مما يجعله مستودع الحكمة.
توالي بيانات رفض الحكومة الموازية – برغم الجانب المضيء فيها – يكشف عن ضعف دبلوماسيتنا في قيادة الفعل، وانتظارها الدائم لردود الأفعال.
تصدق وقد تخلف..
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.