حديث المدينة الثلاثاء 25 فبراير 2025
كأنما قدر لشعب السودان أن يكون “شعب أنفاق” على غرار “مترو أنفاق” يعيش حياته من نفق إلى آخر.. ما أن يخرج من نفق الحـ؛رب حتى يجد شركة “مقاولات الأنفاق” قد أكملت حفر نفق جديد – نفق وثيقة بورتسودان- ليستعد للدخول اليه…
صدرت رسميا قبل يومين الوثيقة التي يطلق عليها -تجاوزا- دستورية.. وليتني أعرف من يقفون خلف رؤية تعديلاتها؟.. فهم كالذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين..
بعد كل الذي جرى في بلادنا منذ صباح السبت 15 أبريل 2023 فإن أقل ما يحتاج السودان رشد يقي أهله مصارع السوء على أقل تقدير.. ويرفع شأنه و يتخطى الواقع الذي ظل قابعا فيه من أكثر من 70 سنة..
ما من بيت في السودان ، ولا فرد صغيرا أو كبيرا، ذكرا أو انثى الا أصيب مباشرة في نفسه أو ممتلكاته أو أحبائه جراء هذه الحـ؛رب الضروس.. وأقل ما يستحقونه أن يتمثلوا بالمقولة (صبرا آل سودان فإن موعدكم النهضة) التي تخرجكم من الانفاق التي دخلتموها منذ رفع علم بلادكم ولم تخرجوا منها الا في “ستة” عبود النضرة..
الوثيقة الدستورية الأصل التي وقعت في 17 أغسطس 2019 أنجبت نظاما دكتاتوريا في أثواب مرقعة بألوان توهموا أنها ألوان الديموقراطية.. خلطت حكما هجينا من ثلاثة مكونات لم تتفق سوى على الصراع حول السلطة.. تحالف الحرية والتغيير بكل تناقضاته وتربصات أحزابه ببعضها.. والمكون العسكري الذي ورث سلطة مجانية سهلة.. و مجموعة اتفاق جوبا التي ذهب بعد ذاك ثلثها مع التمرد.
و فشلت في تشكيل هياكل الدولة الأساسية خاصة المجلس التشريعي، رغم أنف المواد التي جعلت لذلك ميقاتا لا يتجاوز الثلاثة أشهر.
وعندما أطاح انقلاب 25 أكتوبر 2021 بالحكومة الانتقالية و ألغى بعض مواد الوثيقة الدستورية حكما وكل الوثيقة عمليا.. لم يفتقد أحد الوثيقة.. فهي لم تكن تنتظر سوى رصاصة الرحمة.. ولم تكن السلطة نفسها تتذكرها إلا في بعض الخطابات الجماهيرية عندما تستشعر حرج ووحشة العمل بلا مرجعيات قانونية..
و من باب “أنا لا أكذب لكني أتجمل”، بدأت السلطة في الحديث عن تعديل الوثيقة الدستورية مباشرة بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021 .. ولم تر التعديلات النور إلا قبل يومين، فإذا بها مشروع دكتاتورية عمياء.. و إن بعض الدكتاتوريات رشداء.
سأضرب مثلا ببعض التعديلات..
الأخطر فيها هو “المجلس التشريعي الانتقالي”.. والذي تغير إلى “السلطة التشريعية الانتقالية” .
عمليا هذا التعديل ينهي أي أمل في تكوين حقيقي أو حتى صوري..
في الوثيقة الأصل.. نص على تكوين المجلس التشريعي ووضع لذلك ميقات معلوم على أن يتولى مجلسي السيادة والوزراء شؤون التشريع لحين ميلاد المجلس التشريعي..
لم تكن للأطراف المتشاركة في الحكم الرغبة في تكوين المجلس ولم تجد في البداية صعوبة في التسويف ثم اكتشفت أن الامر لا يحتاج حتى إلى التسويف فالشعب كان مشغولا بالشعارات والهتافات وبناء المتاريس لاعاقة وصول الناس إلى أعمالهم..
وظل مجلسا السيادة والوزراء يمارسان التشريع اختلاسا.. يجيزان أربعة قوانين في جلسة لا تستغرق أكثر من ساعة لم ير المجتمعون فيها مشروعات القوانين الا داخل قاعة الاجتماع.
الآن بعد تعديل الوثيقة .. وبمنتهى المكر السياسي استبدلوا عبارة “المجلس التشريعي الانتقالي ” بـ”السلطة التشريعية الانتقالية”.. ماهو الفرق؟؟
فرق الليل والنهار..
كلمة “المجلس ” تعني هيئة بلوائح محددة ذات شخصية اعتبارية مؤسسية لها قوام وهياكل وارث برلماني ممتد من أول برلمان انعقد سنة 1954..
اما “السلطة” فهي وضع هلامي ينشأ من حال اكتمال اجتماع يلتئم فيه أعضاء مجلس السيادة والوزراء.. ولا ينشأ له أي اختصاص خارج صاعة الاجتماع.. فهو مجرد سلطة مفوضة مؤقتا لاكمال اجراءات في غياب الهيئة الرسمية التي من مهامها الأصيلة هذا الاجراء..
و بما أن من كتب ووضع هذا البند أعمل فكره وتفكيره وذكاءه ومكره ليخرج بهذه الصيغة فلا يعقل أن كل ذلك أتى صدفة بلا قصد.
نواصل..
نقلا عن موقع صحيفة التيار
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.