عثمان ميرغني يكتب : رسوم امتحان الشهادة السودانية

حديث المدينة الأربعاء 12 فبراير 2025 .

عثمان ميرغني 

في مأزق عجيب، يجد أولياء أمور بناتنا وأولادنا الذين سيجلسون لامتحان الشهادة الثانوية السودانية بعد أسابيع قليلة أنفسهم أمام تحدٍ صعب. فقد فرضت وزارة التربية والتعليم رسوماً باهظة على كل ممتحن؛ داخل السودان 100 ألف جنيه، وخارج السودان 100 دولار.

الغالبية العظمى من الأسر السودانية بالكاد تجد ما يكفي للطعام، فكيف ستتمكن من دفع هذه الرسوم؟ خاصة الأسر التي أنعم الله عليها بأكثر من فرد يجلسون لامتحان هذا العام.

مع العلم أن الوصول لمرحلة الجلوس للامتحان في حد ذاته يعد تحدياً مالياً كبيراً، إذ أن الدراسة، ولو لعام واحد فقط، بالإضافة إلى الدروس الخصوصية، الكتب، والمذكرات التثقيفية، هي أيضاً بند صرف كبير.

ندرك تماماً التحديات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة، خاصة وأن امتحانات الشهادة السودانية تتطلب موارد مالية ضخمة. وفي ظل ظروف الحرب والتحديات الأمنية اللازمة لتأمين عمليات الامتحان، من لحظة طباعة أوراق الأسئلة إلى يوم توزيعها للممتحنين، ثم جمعها وتخزينها وتصحيحها ورصد الدرجات، وأخيراً إعلان النتائج، كل ذلك يعد عملاً هائلًا في أوضاع معقدة. ومع كثرة مراكز الامتحان خارج السودان، يرتفع الصرف بصورة غير مسبوقة.
من الحكمة النظر إلى الأهداف العليا من هذه الامتحانات. فهي ليست مجرد منافسة حتمية للطلاب السودانيين للانتقال إلى المرحلة الجامعية فحسب، بل هي سمعة أكاديمية للدولة، التي اكتسبت الشهادة السودانية خلالها احتراماً دولياً على مدى عقود من الزمان. فإذا استمر تعطيل الامتحانات، رغم الظروف الأمنية، لأكثر مما هو كائن الآن، فقد يضعف ذلك قيمة الشهادة السودانية داخلياً وخارجياً.

ومعلوم أن عدداً من الطلاب السودانيين، عندما تأخر الامتحان، انصرفوا إلى شهادات من دول أخرى، بعضها يعاني من أوضاع أكثر تعقيدًا من بلادنا. وهذا يمثل نزيفاً معنوياً مع الزمن، مما يجعل الشهادة السودانية تفقد قيمتها.

إن صرف الحكومة على امتحانات الشهادة ليس من أجل الطلاب فحسب، بل من أجل الدولة وسمعتها الأكاديمية. فكيف تحمل الحكومة الطلاب تكاليف هذه الامتحانات، وتُهدد مستقبل كثيرين قد لا يستطيعون سداد الرسوم، فيخرجون من المسار الأكاديمي رغم تفوقهم وطموحاتهم ورغبات أهلهم؟

ليت وزير التعليم أو وزير المالية يراجع هذه الرسوم للممتحنين داخل وخارج السودان. ومن الحكمة أن يكون الرقم رمزيًا بحيث لا يضع الأسر في مواجهة قرار صعب يتمثل في إخراج أبنائهم وبناتهم من المسار التعليمي بسبب عدم القدرة على دفع الرسوم.

هذا إلتماس يُرفع لمن بيده الأمر في أي مستوى رسمي. مهما كان التحدي المالي الذي تواجهه الحكومة، لا يجب مطلقاً وضع الأسر السودانية أمام اختبار حقيقي قد تفشل مواردها في مواجهته، وهي أسر تعاني أصلاً من تبعات الظروف الأمنية.
في انتظار قرار ينقذ الآلاف من بناتنا وأبنائنا الممتحنين لامتحان الشهادة الثانوية السودانية هذا العام.


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *