وفقاً للتحركات التركية: هل يعتبر البٌرهان من نصيب الأسد؟

صلاح شعيب

في الأنباء أن أردوغان يرتب لحل الأزمة السودانية عبر وساطة جديدة، وفقاً لما أوردته وكالة سونا الرسمية. ولكن السؤال هو هل هذا السعي يأتي في سياق الدور التركي الجديد المأذون في التأثير على نزاعات الشرق الأوسط، والقرن الأفريقي؟
على كل حال فإن تورط تركيا في ما جرى في سوريا، واتباع ذلك بتوسطها بين الصومال وإثيوبيا، ربما يفتح شهية الرئيس التركي لكسب جولات تأثير أكثر في نزاعات المنطقتين.
فالشرق الأوسط، والقرن الأفريقي، يمثلان لدول الإقليم منافذ سياسية، وممرات تجارية، ونقاط أمنية، لا بد أن تهتبل تركيا، وغيرها، فرص التوتر فيهما. وقد حاولت انقرا في الماضي أن تجد لها حضوراً في شواطئ البحر الأحمر مستندةً على الضغط على السودان ليستجيب.

وبرغم فشلها السابق في هذا المنحى فإن نجاح استخدام ذينك الكرتين العسكري والدبلوماسي قد يشجع أردوغان للتجريب السياسي في السودان أيضا عبر ذات الدول التي اتفقت معه على ذهاب الأسد الشبل.
إن خطوة اردوغان السريعة لحل النزاع الإثيوبي والصومالي، ومشاركته في أسرع سقوط لدولة حديثة في أيدي متمرديها، ينبغي أن تفتح أعين البرهان وعقله لاستبصار، وقراءة، هذه التحولات الجديدة التي فاجأت المراقبين السياسيين، وواضعي الاستراتيجيات في الإقليمين، على الأقل.

وما يزال التكهن بمصير سوريا – وحول ما إذا كانت تستقر بدواعشها الجدد أم تتحول إلى التفكك او الاستقرار – الأمر الصعب التوقع. وهنا تجدنا واضعين في الاعتبار أن العالم كله ينتظر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب ليرى فعل سياساته تجاه الأزمة الأوكرانية، وتوتر الشرق الأوسط، والأزمات الأخرى التي من ضمنها حرب السودان.
أمام هذه التحديات التي تحيط بسوريا نأمل ان تنتهي حرب السودان عبر مجهودات أدوغان، أو غيره، حتى نتجاوز التحديات التي تتضاعف حول مصير وحدة البلاد بالمقارنة مع سوريا التي ما تزال بعد تغيير رئيسها بلداً موحداً حتى هذه اللحظة.
لقد اتضح لنا أن سياسة البرهان تعتمد على المراوغة سواء في السلم والحرب.

وهذا النهج السياسي سينجح مرات، ولكنه غير مأمون العواقب، وقد جربه البشير ولكن أودى إلى نهايته. وبشار الأسد نفسه كان قد راوغ المجتمع الدولي والعربي حتى نجح في العودة إلى الجامعة العربية. ولكن مراوغته قادته إلى مصير الطغاة الذين دائماً لا يلتفتون إلى الوراء للاعتبار من مراوغات المستبدين خلفهم. فالقذافي وزين العابدين وصدام وبن علي والبشير وعلي عبدالله صالح وبشار تحايلوا على الواقع بسياسات تلتف على المشروع الديمقراطي للدولة القطرية وبالتالي يسيطرون لمرحلة ثم تكون نهايتهم شنيعة، فضلاً عن تضييع زمن شعوبهم وضرب الإسفين المناطقي والاثني والمذهبي والأيديولوجي فيهم.
على البرهان تقع مسؤولية كبيرة لإيقاف الحرب ولكنه يحتاج بقدر كبير إلى الاعتبار من مصائر أولئك الطغاة.
وعلى الرغم من أن الحركة الإسلامية تحيط به من كل حدب وصوب حتى اخترقت مكتبه فإن لديه الفرصة في تغيير اتجاه الحرب. ذلك إذا أعاد الكرة إلى ملعب القوى المدنية العريضة، واستند إليها لتصحيح مسار سياسته التي قادت للأزمة الوطنية ثم خسر حلفاء الوثيقة الدستورية جميعاً في الوقوف بجانبه في زمن الحرب.
نعتقد أنه ما تزال الفرص سانحة أمام البرهان بوصفه المسؤول الأول عن الجيش للإذعان إلى رغبة السودانيين في إيقاف الحرب، وتجاوز مأساتهم الإنسانية في الداخل والخارج. أما ركوب الرأس في ظل توسع الحرب، وتورط دويلات إقليمية ودولية في زيادة نيرانها، فإنه لن يمنحه انتصاراً حاسماً يعيد به ترتيب الوضع العسكري ليحقق طموحه في الحكم منفرداً.
ليس هناك ما يعضد وجود الأنظمة الديكتاتورية في منطقتنا بناءً على التاريخ القريب للزعامات القطرية التي ذهبت إلى مزبلة التاريخ عبر الثورات الداخلية أو تدخلات الخارج.
ولكل هذا فإن البرهان بحاجة إلى التشبث بالمبادرة التركية للوصول إلى تسوية تفضي إلى إنهاء الحرب مخطوطة أولى نحو استعادة المرحلة الانتقالية التي أعقبت ثورة ديسمبر.

وفي حال إصراره على المضي قدماً في تنفيذ مشروع المؤتمر الوطني، والجماعات الإسلاموية المتطرفة التي تسانده الآن للعودة إلى الحكم الاستبدادي، فإن مصيره سيكون شبيه بمن سبقوه في درب المراوغة، والتلاعب بالتناقضات في المشهد السياسي، والاحتكام إلى أدوات الاستبداد.
المبادرة التركية للتوسط من أجل حل الأزمة السودانية ينبغي كذلك أن تشجع الأطراف المدنية للتواصل مع القيادة في انقرا، وتحقيق تحرك سياسي يدعمها لإجبار طرفي الحرب لإنهائها، وإتاحة الفرصة للمدنيين للإمساك بالعملية السياسية، ووضع خطة لإعادة بناء الوطن بدعم الأطراف الإقليمية، والدولية.


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *