دور بارز للدبلوماسية القطرية

بقلم: بابكر عيسى أحمد
ملعونةٌ هي الحربُ، ومعلونٌ من أشعلوا فتيلها، وملعونة هي السلطة التي يتقاتل عليها الساقطون والمتطلعون إلى الجلوس بأحذيتهم الصَّدِئة فوق رقاب العباد، عندما أرى وأعايش العذابات التي تسببت بها هذه الحربُ العبثية اللعينة يسكُنني الأسى والحزن.

وأنا أرى أهلي وعشيرتي وإخواني وأخَواتي هائمين على وجوههم في الدروب المُتربة، الذين عبروا الحدود هروبًا من جحيم الحرب المُدمرة لم يسْلَموا من عذابات الذل والمهانة والاحتقار، حتى من الذين هربوا إلينا عندما اشتعلت الحروب في بلادهم، وهم الآن يعاملوننا بمنتهى الاحتقار متناسين ومتجاهلين كل ما قدمنا لهم من ضيافة وحسن استقبال وحفاوة.
في كل مرة تفاجئنا الوزيرة لولوة الخاطر وزيرة الدولة للتعاون الدولي بوزارة الخارجية القطرية بموقف يجعلنا ننحني إجلالًا واحترامًا لدولة قطر التي تبنَّت مواقفَ مُشرفة من أجل السودان وشعبه المغلوب على أمره، ففي آخر إطلالة لها أمام اجتماع نيويورك 26 / 9 / 2024 لتعزيز دعم الاستجابة الإنسانية في السودان، الذي عُقد على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة تحدثت بلغة عربية فصيحة أمام الحاضرين عن السودان الذي وصفته بالبلد العزيز على قلوب جميع العرب، والبلد العريق والكبير الذي يُطل على أحد أهم الممرات البحرية وتمتد حدوده مع عدد من أكبر الدول الإفريقية، ما يُكسبه أهمية استراتيجية، كما يجعل آثار وتداعيات الحرب فيه كارثية على منطقة القرن الإفريقي برُمتها والمنطقة العربية عمومًا.
وأضافت في كلمتها الرائعة “عندما اجتمعنا في نفس هذا المكان من العام الماضي كان يحدونا الأملُ أننا لن نجتمع مجددًا إلا وقد وضعت الحربُ أوزارَها، وإننا ربما اجتمعنا لتداول خطوط التنمية وإعادة ترميم ما خلفت هذه الحرب الدامية، ترميم الحجر وترميم البشر كذلك”.
وأضافت “فما تخلفه هذه الحرب لا يقتصر على البنى التحتية والمستشفيات والمدارس، بل تمت عملية تهجير واسعة واعتداءات مُفزعة يشيب لها الولدان، وأشارت إلى تحذير المدير العام لمنظمة الصحة العالمية من استهداف القطاع الصحي الذي يُشرف على الانهيار، إذ أشار إلى توقف من 70 إلى 80 من المرافق الصحية عن العمل، ويعتبر اللجوء في السودان أكثر مأساة لجوء قائمة اليوم على مستوى العالم.
النظام التعليمي في السودان تعطل بالكامل، ما يجعل هذه أكبر نسبة للأطفال خارج المدارس حيث تقارب مئة في المئة، وأضافت: “لنا أن نتخيل هذا البلد الزراعي الذي يجري النيل فيه يتضور أبناؤه جوعًا، وبحسب إحصاءات منظمة الغذاء العالمي فإن هناك 14 مليون إنسان في السودان يعانون من الجوع الحاد، كما أن 13 منطقة على حافة المجاعة”.
أشادت الوزيرة لولوة الخاطر -كالعهد بها- بالمرأة السودانية التي وصفتها بالكريمة والعزيزة وقالت: “إنها تدفع أثمانًا مُضاعفة بسبب مجموعات تحركها الأثمان البخسة من المال، ومجموعات خارجة عن القانون والأخلاق والسلوك الإنساني القويم”.
ورأت أن للحرب في السودان مسارين: سياسي وإنساني، وأن من المُهم المضي بفاعلية وسرعة شديدة في كليهما”.
وحذرت من أن دولة قطر تخشى أن يتحوّل ملفُ السودان إلى مجرد ملف روتيني، وأن يتم تحويل الأشقاء الكرام في السودان إلى مجموعات من اللاجئين، حيث يتمُ اختزال التعامل مع هذا الملف المحوري في بُعد واحد هو المساعدات الإنسانية، مؤكدة إصرار دولة قطر على أهمية الإسهام في إعادة ملف السودان إلى الأجندة الدولية ووضعه في مكانه الصحيح على قائمة أولويات المجتمع الدولي.
هذا الطرحُ الذي تقدمت به وزيرة الدولة للتعاون الدولي بالخارجية القطرية يُسعد الإنسان السوداني، حيث أكدت دولة قطر على مجموعة من المبادئ التي يُفترض أن تشكلَ الأسس التي تقوم عليها أية مقاربة دولية للملف السوداني.
المبدأ الأول: هو المحافظة على سيادة جمهورية السودان ووحدة وسلامة أراضيه، والمحافظة على مؤسساته الوطنية والمبدأ الثاني: تحقيق مصلحة الشعب السوداني الشقيق، التي تبدأ بحقن دمائه واستعادة أمنه في وطنه وتوفير احتياجاته والعمل على تحقيق تطلعات شعبه المشروعة في وطنه.
والمبدأ الثالث هو: وقف التدخلات الخارجية التي أسهمت في إشعال فتيل هذه الأزمة ابتداءً، ومازالت تُسهم في إشعال الحرائق بدلًا من إطفائها.
وفي ختام كلمتها طالبت الحضور بمشاركتها هذه المشاهد البسيطة التي وقفت عليها من خلال عملها في الملف الإنساني في السودان وغزة، قالت: خلال زيارتي لبورتسودان هذا العام تجولتُ في المنطقة وزرتُ المستشفيات لفتني أمرٌ تعجبتُ منه وأكبرتُه، فما زال السودانُ رغم ظروف الحرب وتدمير المنازل ونقص الغذاء والدواء يستضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين الذين كانوا موجودين أصلًا قبل الحرب مُعزَّزين مُكرَّمين واستمر هذا الكرم وطيب النفس حتى بعد الحرب.
فيما يرتبط بسياق غزة، فقد قابلتُ أعدادًا من أهل غزة لأفاجأ بأن كثيرًا من الأطباء هم خريجو السودان، وأن السودان كان يستقبلُ الأشقاء العرب من شتى الأقطار ويمنحُ المنح الدراسية ويعامل العربيَّ معاملة السوداني في الدراسة والعلاج، وغيرها من نواحي الحياة بكل شهامة وأصالة ومحبة وبكل تواضع وهدوء وصمت.
التحية للوزيرة لولوة الخاطر على هذه الإطلالة الجديدة الزاهية الجميلة، من أجل رجال ونساء السودان.

الأحد ، 29 / 9 / 2024

نقلاعن: جريدة الراية القطرية


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.