بورتريه / خالد أبو الروس.. رائد المسرح الساخر وساحر المنولوجات

منوعات ـ شبكة_الخبر ـ ولد خالد عبد الرحمن خالد، المعروف بـ”خالد أبو الروس”، في أم درمان عام 1908، وتلقى تعليمه الأولي بالخلوة، ثم في مدرسة العباسية، قبل أن يلتحق بالمعهد العلمي. لكنه غادر المعهد مع مجموعة من زملائه “المطاميس” إثر خلاف فكري مع الشيخ أحمد أبو دقن.

تميّز أبو الروس بموهبة متعددة الجوانب: شاعر ومسرحي، كاتب سيناريو ومؤلف مسلسلات، صحفي وإذاعي وممثل، منولوجست بارع، ومرجع في الأدب الشعبي والمأثورات. مارس التعليم لمدة 43 عاماً في مدرسة واحدة، جامعًا بين الطباشيرة والخشبة والمذياع!

في عام 1932، ألّف مسرحية “تاجوج” قبل مسرحية “المك نمر” للعبادي، وشارك في تمثيلها بمساعدة فريد وبابكر بدري. كما كتب ومثّل في مسرحية “خراب سوبا”، حيث أدّى دور المرأة (عجوبة)، وقدم كذلك أعمالًا بارزة مثل “إبليس”، “طرشقت”، “السبعة الحرقو البنبر”، و*”البعاتي”*، إلى جانب مسرحيات من فصل واحد مثل: مقتل غردون، أكتوبر، الحب والمال، وكرري.

عمل في جريدة النيل، ثم مخبرًا ومحررًا فنيًا في جريدة الناس لصاحبها محمد مكي، واشتهر بأسلوبه الساخر اللاذع، ومقالاته التي كانت تشعل المعارك السياسية والفنية. كتب عبر أبواب مثل “حاج أم قلة” و*”حديث الغابة”*، وأصدر مجلة اضحك، لكنها لم تستمر طويلًا.

كان من أساطين “سوق الموية”، ملتقى الشعراء والحرافيش في أم درمان، ومن أمهر كتّاب المنولوجات. وكان “ترام أبوروف” أحد أبرز موضوعاته الساخرة، إلى جانب النقد الاجتماعي الرشيق الذي امتاز به.

ورث عن والده عبد الرحمن خالد، شاعر الدوبيت المعروف، ملكة الشعر الشعبي، مما منحه تفوقًا خاصًا في المسرح الشعري، رغم أنه لم يكتب الشعر الفصيح. لكنه ألّف عددًا من الأغنيات الرائقة التي تغنّى بها كبار الفنانين.

عشقه لمقرن النيلين تجلّى في عدد من الأغنيات، منها:

“عايزين نكون على مقرن النيلين سوا”، أول اسكتش سينمائي مصوَّر، بجانب اسكتش “هل تدري يا نعسان”.

“المقرن في الصباح”، التي غناها الكاشف، وفيها وصف شاعري خلاب:

شوف توتي يا المحبوب بدت
كالطفلة باكية تنهدت
ضماها دا النيل الشفوق
والطير عمل في نخيلا سوق
والشمش طلّت شوفا فوق
فسحتنا يا سيدي انقضت
لازم نعود عند الأصيل

“ما أحلى ساعات اللقا” التي صدح بها أحمد المصطفى، وجاء فيها:

قف يا وديع في الملتقى
شوف الطبيعة ورونقا
نيلينا كيف متعانقة
شوف النخيل الباسقا

ومن روائع أبو الروس أيضًا:

“صابحني دايمًا وابتسم”، التي يقول فيها:

صابحني دايمًا وابتسم
ألقى الملاك بان مترسم
والنور يلوح من وجنتيك
والخضرة زانت شفتيك

و*”حيّرت أفكاري معاك”*:

كالشمس في علياك
سامي وجهرني ضياك
واسكرني طيب ريّاك

كما تظهر خفة ظله الشعبية في أغنيته الطريفة:

“ردي عليا يا عينيا.. سفرك طال متين الجيّة”، وفيها:

حداد أنا عند يوم سافرتا
فيهو بكيت وما استغفرتا
بي كل الغواني كفرتا
صفّر قطرك أنا انتحرتا

قصة خالد أبو الروس أوسع من أن تختزل في سطور. فهو ليس مجرد فنان؛ بل مؤسسة ثقافية متكاملة، شكلت الوجدان السوداني طيلة القرن العشرين.

توفي خالد أبو الروس في عام 2013، تاركًا خلفه إرثًا فنيًا وأدبيًا قلّ أن يجود الزمان بمثله.

 


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *