مدني – شبكة_الخبر – في ركن هادئ من مستشفى الذرة بمدينة ود مدني، توافد المرضى صباح الخميس على وحدة الأشعة المقطعية، تسبقهم نظرات الترقب بعد أشهر من الانتظار القاسي. الجهاز الذي ظل صامتًا لأكثر من عام، بفعل دمار الحرب وشح الموارد، عاد للعمل أخيرًا، معلنًا بداية جديدة لمرضى كانوا على حافة اليأس.
طريق طويل من المعاناة
“كنت أضطر للسفر إلى القضارف أو سنار لإجراء الفحوصات”، تقول سمية، وهي أم لثلاثة أطفال تخضع للعلاج من ورم سرطاني في الرئة. وتضيف بنبرة ممزوجة بالارتياح: “اليوم، أشعر أن العلاج أقرب، وأن هناك من يهتم بنا رغم الظروف الصعبة”.
فخلال أكثر من عام، كان تعطل جهاز الأشعة المقطعية يمثل عبئًا إضافيًا على مئات المرضى، خصوصًا في ظل الانهيار الاقتصادي وتردي خدمات النقل بسبب الحرب التي طالت كل شيء، حتى أجهزة الحياة.
إرادة محلية… وسواعد سودانية
د. طارق عباس العجوة، مساعد المدير العام لوزارة الصحة بولاية الجزيرة، لم يُخفِ سعادته بإعادة تشغيل الجهاز. في حديثه لـ(سونا)، قال إن هذه الخطوة تمثل “إضافة حقيقية لمساعي استعادة الخدمات الصحية في الولاية”، مشيدًا بجهود المهندسين المحليين الذين أعادوا تشغيل الجهاز رغم شح قطع الغيار والدعم الفني الخارجي.
“لم ننتظر الدعم الدولي. المهندسون بالمستشفى فعلوها بأنفسهم، ونحن ملتزمون بإعادة تشغيل كل الأجهزة الطبية المتوقفة”، يضيف بثقة.
من الدمار إلى الخدمة
المشهد داخل مستشفى الذرة تغيّر تدريجيًا، مع عودة الحياة إلى بعض أجنحته التي خيم عليها الصمت طويلاً. تقول د. مرام عبد الحليم، مديرة المستشفى، إن الدعم الذي تلقته من حكومة الولاية ووزارة الصحة شكّل فارقًا في إعادة تشغيل الجهاز، مضيفة أن “الفترة المقبلة ستشهد تشغيل المزيد من الأجهزة، وهو ما سيمكّننا من توفير العلاج داخل الولاية وتخفيف معاناة المرضى”.
أمل في ظل الأزمة
في بلد تتصدع فيه البنية الصحية تحت وطأة الحرب، تمثل مثل هذه الخطوات الصغيرة انتصارات حقيقية للإنسان. جهاز واحد قد لا يغيّر المشهد بأكمله، لكنه يمنح مريضًا فحصًا دقيقًا، ويوفر على أسرة معاناة سفر طويل، ويعيد ثقة متهالكة في النظام الصحي.
وهكذا، وسط ركام الحرب، تنبت بذور أمل جديدة في مستشفى الذرة بود مدني… أمل أن يُسمع صوت الأجهزة مجددًا، بدلًا من صمتها القاسي.
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.