بارا – شبكة_الخبر ـ في مدينة بارا، التي لطالما عُرفت بسوقها العتيق وهدوئها الرملي، باتت أصوات البنادق تقرع جدران المنازل، وتخترق السكون القديم بخوف لا تخطئه العين. منذ أشهر، أصبحت المدينة والمناطق المجاورة لها تحت سيطرة قوات الدعم السريع، في تحولٍ عسكري غيّر وجه الحياة وطمس ملامح الطمأنينة.
تقول مواطنة من حي السوق الكبير، وقد فضّلت حجب اسمها: “لم نعد نعرف من نحن.. ولا أين نذهب.. كل ما نرجوه أن نبقى أحياء حتى الغد”.
لكن الحياة لم تمنح الجميع هذه الفرصة. ففي منطقة أم قلجي جنوب بارا، وقعت جريمة هزّت الوجدان. وفق مصادر محلية، اقتاد جنود من الدعم السريع فتاتين من منزلهما تحت تهديد السلاح، وأعيدتا في اليوم التالي، منهارتين نفسيًا وجسديًا. الحادثة وقعت منذ أسبوعين، لكنها لا تزال حيّة في ذاكرة السكان، تروى همسًا وسط خوف من القمع والانتقام.
بارا، المدينة المنسية في الحرب
تقع بارا على بعد نحو 317 كيلومتراً شمال غرب الخرطوم، و40 كيلومتراً فقط من مدينة الأبيض. لكن قربها من خطوط الاشتباك جعلها في مرمى الانتهاكات، بعدما أصبحت محطة عسكرية لقوات الدعم السريع، التي فرضت قيوداً مشددة على حركة السكان. ومع ندرة الإمدادات وانقطاع المساعدات الإنسانية، بدأت معاناة الأهالي تتضاعف يوماً بعد يوم.
في الأسواق التي كانت تعجّ بالبضائع والنساء، لم تعد ترى سوى رجالٍ مسلحين، وأطفال يبيعون الخبز بأصوات خافتة. الخوف هو العملة الوحيدة المتداولة في المدينة.
الخوي.. معركة لا تنتهي
بعيداً عن بارا، شهدت منطقة الخوي – الواقعة بين شمال وجنوب كردفان – معارك ضارية الأسبوع الماضي، تبادل فيها الجيش والدعم السريع السيطرة عدة مرات. وتسبب القتال في نزوح أكثر من 7 آلاف شخص، وفق مصادر إنسانية، معظمهم فرّوا إلى أطراف الأبيض، حيث يزداد الضغط على الموارد والخدمات.
ولم تقتصر الاتهامات على جهة واحدة. ففي بيان شديد اللهجة، اتهمت قوات الدعم السريع ما سمّته “القوة المشتركة للحركات المتحالفة مع الجيش” بارتكاب مجزرة مروعة في الخوي، شملت ذبح وتعذيب عشرات المدنيين بطرق وصفتها بـ”السادية”.
نزيف الصحراء.. إلى متى؟
تمتد المعاناة في شمال كردفان كصحرائها الواسعة: بلا حدود. النزوح، الانتهاكات، الجوع، والخوف، كلها أصبحت جزءًا من حياة السكان اليومية. ومع استمرار التحركات العسكرية للجيش من الأبيض باتجاه الجنوب، لا تبدو نهاية هذا النزاع قريبة.
ووسط هذا الدخان الكثيف، يبقى السؤال معلّقًا على شفاه الجميع:
هل يسمع العالم صوت بارا؟
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.