حديث المدينة الاثنين 19 مايو 2025
تفاجات للغاية أمس بتصريحات الأستاذ بابكر فيصل لصحيفة “الشرق الأوسط” حول خارطة الطريق التي أشار إليها عضو مجلس السيادة الفريق أول إبراهيم جابر في خطابه أمام القمة العربية رقم “34” ببغداد أمس الأول.
جابر قال أن السودان أودع لدى الأمم المتحدة خارطة طريق لحل الأزمة السودانية تشمل: وقفا لإطلاق النار، وانسحاب الدعم السريع من كل المناطق والمدن، ورفع الحصار عن الفاشر، وعودة النازحين واللاجئين، وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، واستئناف العملية السياسية الانتقالية، وإدارة حوار سوداني سوداني شامل يؤسس للوصول الى الانتخابات.
بابكر فيصل قال للشرق الأوسط (إن إعادة طرح خريطة الطريق السابقة في القمة العربية تشبه املاء شروط طرف منتصر على طرف مهزوم، وهو أمر لا يعكس ما يجري على أرض الواقع..).
هذا الحديث خطير للغاية من عدة أوجه:
الأول : بابكر فيصل بذلك أعطى نفسه حق تمثيل الدعم السريع وتقدير أن هذه الشروط غير مقبولة.. وكان الأفضل أن يترك هذا الأمر للطرف المعني أن يقرر ذلك. وسبق لي أن كتبت كثيرا -بصفتي دارس لمهارات التفاوض- أن أول درس في علم التفاوض أن لا تفكر نيابة عن الطرف الآخر..
من خق الحكومة ان تقترح ما تشاء وترفع السقف الى عنان السماء.. ومن حق الدعم السريع عندما يدخل لغرف التفاوض ان يفعل الشيء نفسه.. ثم من هنا يبدأ التفاوض.. لكن ليس من حق أية جهة أن تطالب بتخفيض مطالب الحكومة السودانية قبل أن تبدأ عملية تفاوض جادة.. كل شيء محله طاولة التفاوض مع الوساطة أو مباشرة مع الدعم السريع..
بأي صفة اختار بابكر فيصل أن يرد نيابة عن الدعم السريع و يرفض سحب القوات من المدن وإيقاف اطلاق النار.. ويبني حجته في ذلك على أن الدعم السريع غف وضع ميداني أفضل؟
هنا لم يكتف بابكر فيصل بالتحدث انابة عن الدعم السريع بل تعسف وتطرف في تمثيله للدرجة التي يحكم فيها -وهو مدني بلا خبرة عسكرية- بقوة وضع الدعم السريع الميداني.
الوجه الثاني : بابكر فيصل منح نفسه صفة المحكم العسكري الذي يقرر أن الوضع الميداني تميل كفته لصالح الدعم السريع.. لا أعلم على أساس أو خبرة عسكرية بنى ذلك؟ قد يوحي ذلك للبعض أنه خلط بين الأماني والحقائق.
الازمة الراهنة في السودان هي تمرد قوة عسكرية على الجيش الشرعي للبلاد.. ذات الجيش الذي وقعت معه القوى السياسية وثيقة شراكة لإدارة البلاد..
صحيح رئيس مجلس السيادة البرهان نقض العهد والميثاق و انقلب على هذه الشراكة في صباح 25 أكتوبر 2021.. لكن بالتأكيد لم يفعل ذلك الجيش .. حتى ولو كان قائده من دبر ونفذ الانقلاب.. فالجيش لم ينقلب على الحكم في فجر 25 مايو 1969 ولا في فجر 30 يونيو 1989 ولا في 19 يوليو 1971 ولا في 28 رمضان 1990.. فالجيش قوة نظامية محترفة تنصاع للتراتبية العسكرية.. ولم يحدث في تاريخ الجيش السوداني ان انشق على قيادته.. لكن عندما تكون القيادة الجيش هي نفسها قيادة الدولة فإن المؤسسة العسكرية تحاسب بما يليها في الشأن العسكري ولا علاقة لها بما يدور في الملعب السياسي حتى ولو كان رأس الدولة هو القائد العام للجيش.
هذا أمر في غاية الأهمية يجب أن يدركه الجميع.. أن القرارات التي تصدر من رأس الدولة في مجلس السيادة لا تناقش في الغرف المهنية العسكرية للجيش.. لأن الجيش ليس معنيا بها.. ويتحمل أجرها أو وزرها رئيس وأعضاء مجلس السيادة.
في تقديري تصريحات بابكر فيصل (تخصم من رصيده السياسي) كثيرا..
نقلا عن- صحيفة التيار
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.