حديث المدينة الأحد 11 مايو 2025
“المـ؛وساد” الإسرائيلي لديهم مبدأ في العمل اسمه “الرجل العاشر”.. في حال بحث أي موضوع.. واتفق 9 من الحضور على رأي واحد.. فإن العاشر يجب أن يأتي بفكرة مختلفة .. ويخالفهم في الرأي.. حتى و لو كان يرى أن رأيهم مقنع فهو ملزم بان يخالفهم برأي آخر..
والمعنى أن مقتضى الحذر لتجنب الوقوع في الخطأ، لا يقبل أن يفكر الجميع بطريقة واحدة.. لابد من توسيع دائرة النظر حتى ولو بدت الفكرة مقبولة للجميع..
عندنا في السودان الأمر مختلف.. غالبا الرجل الأول يفرض على الـ9 الباقين فكرته.. وجود رأي مختلف أو فكرة مختلفة ينظر إليه على أنه عيب بل ربما جريرة لا تغتفر.. وأكثر من ذلك ، مهدد وجودي لأصحاب التفكير الخامل والفكر المعلب.
التفكير خارج الاطار المسموح به أمر فيه مخاطر كبيرة.. تستوجب من صاحب الفكرة أن يفكر عشر مرات قبل الجهر بها.. غالبا يجد الطريق مفروشا بالورود ان عطل عقله و سلم مفاتيحه لمن يملك القرار.
رغم أن الفكرة المختلفة تفتح أفقا وفرصة أكبر للصواب..
تعودت أن أطرح أفكارا تطوف شتى الموضوعات.. في فضاء وسائط التواصل الاجتماعي أو عبر هذا العمود في صحيفة التيار.. و أكثر ما يلفت نظري ليس الاعتراض على الفكرة..بل مبدأ التفكير خارج الاطار المألوف.. أو ما يطلق عليه اصطلاحا “خارج الصندوق”.
من الممكن دحض الفكرة وتبيان ضعفها أو خطلها.. لكن الغالبية تتجه لقمع حق التفكير خارج القطيع.. بمبدأ “فكر كما نفكر”..
وتفسيري لهذه الظاهرة.. أن معتنقي الفكرة الواحدة تعوزهم القدرات العقلية أو العلمية أو التخيلية.. فيلجأون لشتى الحيل التي تبقيهم في المشهد.. ومن بينها السقوط اللفظي أو الشخصنة أو تشتيت الانتباه بالقفز لقضايا سطحية ..
ومن نتائج مثل هذا المسلك الذي يبدو شائعا .. أن ترسخ في السياسة منهج “حافظ مش فاهم”.. التعويل على ترديد وتكرار المصطلحات دون النظر أو التمعن في سياقها وظرفها و معناها الفني العملي المرتبط بالموضوع مثار النظر.
من هذه المصطلحات التي يكثر ترديدها في المشهد السياسي.. مثلا :
“المشروع الوطني”.. عبارة تردد بمنتهى الاستسلام دون النظر في معناها.. ما هو المشروع الوطني؟ لن تتوفر إجابة. ماذا يفعل “المشروع الوطني” لحل معضلات السودان؟ لا أحد يعلم.. كل الذي يعلمه أن الوقوف في المنابر والنطق بهذه العبارة بكل قوة.. يمنح الفخامة و يرفع القدر الاستناري.
“الانتقال الديموقراطي”.. ما هو هذا الانتقال؟ من أين إلى أين؟ كيف؟ ماهي النقطة “أ” المنتقل منها، وأين هي النقطة “ب” المنتقل إليها؟ لا أحد يعرف.. المهم انتقال+ الديموقرطي تكفي من أجل الوجاهة السياسية..
“حكومة انتقالية”.. وهل هناك حكومة في العالم سرمدية؟ كل الحكومات انتقالية.
قائمة طويلة من معجم المصطلحات السياسية التي تصلح للخطب والمؤتمرات و ينتهي مفعولها بعد النطق بها مباشرة.
كل هذا نتاج ترسيخ “أدب الجمود”.. أن يظل كل شيء كما هو ..بال احد يفكر خارج النطاق المعلوم..
ثم يمر الزمان.. وتتغير الدنيا كلها ..الا السودان في محطة الستينيات.. محطة الرجعية والامبريالية والعلمانية والإسلامية والاشتراكية..
نقلا عن .. التيار
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.