نجت من قوس المحكمة .. فهل تنجو من قوس العدالة؟

بورتسودان – شبكة- الخبر أثار قرار محكمة العدل الدولية برفض الدعوى المقدمة من السودان ضد دولة الإمارات جدلاً واسعاً، بعد أن أقرّت المحكمة بأنها غير مختصة بالنظر في القضية، استناداً إلى تحفظ سابق قدمته الإمارات على المادة 9 من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.

لكن وزارة العدل السودانية أكدت، في بيان رسمي الثلاثاء، أن هذا القرار لا يعني تبرئة الإمارات من الانتهاكات الجسيمة المنسوبة إليها، موضحة أن المحكمة لم تناقش جوهر الدعوى أو البينات التي قدمتها الخرطوم، والتي وصفتها بأنها “متماسكة وتؤكد دعم الإمارات لمليشيا الدعم السريع المتمردة وضلوعها في جرائم ضد الإنسانية”.

قرار شكلي… والمعركة لم تنتهِ

أوضحت الوزارة أن قرار المحكمة كان إجرائيًا بحتًا، صدر بأغلبية 9 قضاة مقابل 7، وارتكز فقط على الجانب الشكلي المتعلق بتحفظ الإمارات، دون أن يتطرق إلى مضمون الاتهامات أو تقييم الأدلة.

وأضاف البيان أن المحكمة سبق وأن تعاملت مع قضايا مشابهة وقبلت اختصاصها رغم وجود تحفظات، ما يفتح المجال أمام التشكيك في منطقية القرار الحالي ومقارنته بسوابق قضائية سابقة.

بينات دامغة وقلق معلن

وأكدت الوزارة أن السودان قدم إلى المحكمة “ملفًا قانونيًا متينًا وموثقًا”، يتضمّن أدلة على الدعم العسكري واللوجستي والمالي الذي قدمته الإمارات لقوات الدعم السريع، وما نتج عن ذلك من انتهاكات واسعة النطاق شملت الإبادة الجماعية، التهجير القسري، الاغتصاب، تدمير البنية التحتية ونهب ممتلكات الدولة والمواطنين.

ورغم أن المحكمة رفضت إصدار أوامر وقتية ضد الإمارات، إلا أنها أعربت صراحة عن “قلقها العميق” إزاء الكارثة الإنسانية في السودان، لا سيما في إقليم دارفور، وهو ما اعتبرته وزارة العدل “إقراراً غير مباشر بجسامة الوقائع التي وردت في ملف الدعوى”.

الإفلات من القضاء… لا يعني الإفلات من العدالة

أكدت وزارة العدل أن قرار المحكمة لا يمنع السودان من اللجوء إلى محاكم ومنصات دولية أخرى لمواصلة ملاحقة المسؤولين عن الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين. وأشارت إلى أن المسار القانوني ما يزال مفتوحاً، وأن الخرطوم ستواصل السعي نحو محاسبة كل من دعم وساهم في تأجيج الحرب الأهلية وتمويل جرائم الإبادة.

وأضاف البيان: “الإفلات المؤقت من قوس المحكمة لا يعني الإفلات من قوس العدالة… العدالة لا تسقط بالتقادم، ولا تجهضها التحفظات الإجرائية”.

الدعوى السودانية ضد الإمارات

في 5 مارس 2025، تقدمت جمهورية السودان بعريضة لمحكمة العدل الدولية تتهم فيها الإمارات بتقديم دعم عسكري ولوجستي مباشر لمليشيا الدعم السريع، مطالبة بإصدار أوامر وقتية لوقف هذا الدعم، وتحمّل أبوظبي المسؤولية عن الانتهاكات الناتجة عن ذلك الدعم.

وعلى الرغم من أن الجلسة التي انعقدت في 5 مايو كانت مخصصة للفصل في الطلب العاجل، إلا أن المحكمة لم تكتف برفض إصدار الأوامر الوقتية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك بإغلاق ملف القضية بالكامل على أساس عدم الاختصاص.

المعركة مستمرة

يبدو أن السودان لا ينوي التراجع، بل يستعد لجولة جديدة في ميادين العدالة الدولية. ومع تزايد التقارير الحقوقية حول المجازر في غرب السودان، وتصاعد الضغوط الدبلوماسية والإعلامية، فإن القضية مرشحة لتبقى حاضرة في الأروقة الدولية، سواء على مستوى الأمم المتحدة أو عبر آليات قضائية بديلة.

وفي ظل هذا المشهد المعقد، تبقى الحقيقة ثابتة: العدالة قد تتأخر، لكنها لا تتقادم… ومن نجا اليوم بتحفظ قانوني، قد يواجه غداً موجة محاسبة لا تردّها الأختام ولا تحجبها الحصانات.


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *