الطينة – شبكة -الخبر في أقصى تخوم الوطن، حيث تمتد الطينة كجرح نازف على الحدود بين السودان وتشاد، لا شيء يشبه الحياة سوى إرادة الذين ما زالوا يتشبثون بها. هناك، حيث تنتهي الطرق وتبدأ المآسي، تنبعث رائحة الطبخ لا من بيوت آمنة، بل من مطابخ جماعية أقيمت لتقاوم المجاعة وتطهو الأمل تحت خيام من خيش ووجع.
في محلية الطينة بشمال دارفور، دُشّن مشروع المطبخ الجماعي ليطعم الجوعى الهاربين من جحيم الفاشر، ومخيمات زمزم وأبوشوك وطويلة. أكثر من 1700 نازح، أغلبهم نساء وأطفال، يجدون في وجبة واحدة يومياً طوق نجاة من الموت البطيء، بعد أن أكلت الحرب كل شيء: البيوت، المدارس، المزارع، وحتى أسماء القرى.
هنا، لا طعام كافٍ، ولا ماء نقي، ولا فراش دافئ. لكنّ الأرواح المثقلة بالخسارات تظل تبحث عن بصيص نور. تطهو النساء الطعام بأيادي مرتجفة، تعبأ القدور بما تيسّر، ويوزّع العطاء بين أكواب بلاستيكية وقلوب لا تزال قادرة على الامتنان.
“لم نعد نحلم سوى بكسرة خبز وأمان”، تقول عائشة، أم لخمسة أطفال، نزحت من الفاشر بعد أن التهم الحريق منزلها. تروي قصتها بصوت خافت، كأنها تخشى أن يسمعها الحزن فيعود ليقيم مرة أخرى بين أضلاعها.
في هذا المشهد الإنساني الكثيف، تبرز مبادرة غرفة طوارئ الطينة كمقاومة سلمية ضد وحشية الحرب. فالطعام لم يعد وجبة فحسب، بل فعل تحدٍ يومي، ورسالة تقول: نحن ما زلنا هنا، وما زلنا أحياء.
ومع كل نداء يُطلق لدعم هذه المبادرة، تتشبث المجتمعات المحلية بخيط الرجاء، إذ لا تملك كثيراً سوى كرامتها، وبعض القصص التي تُروى على ضوء النار، عن وطن كان، وربما سيكون من جديد.
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.