أيقونات مُضيئة «الهادي آدم» .. الشاعر الذي اقترن اسمه بكوكب الشرق في فضاءات الإبداع!

“..المشاعرُ لي، بينما الأشعار للجميع .. هكذا كان يرى الشاعر الفذ الهادي آدم عندما يطلب منه البعض مناسبة القصيدة الشهيدة التي غنتها كوكب الشرق، وسيدة الغناء العربي «أم كلثوم» ولحنها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب (أغدًا ألقاك) كأول وآخر شاعر سوداني تغني له السِتْ. كان ذلك عقب زيارة أم كلثوم للسودان في إطار حملتها لدعم المجهود الحربي في مصر بعد النكسة عام 1967م الزيارة التي قال عنها صالح جودت في إحدى مقالاته أن أم كلثوم بعد إقامة حفلتيها في السودان، عادت من هناك تحملُ في صدرها شحنة دافئة من الحُب للسودانيين، وقالت قولتها الشهيرة : ” البلاد العربية جميعها تعيش مع مصر محنة النكسة، ولكن أعمقهم شعورًا بها هم أهل السُّودان!”

يكتبها – أبوذر الشعراني

(١)

ولد الشاعر الهادي آدم بمدينة الهلالية، بولاية الجزيرة عام 1927م. تخرج في كلية دار العلوم بالجامعة المصرية، وحصل على درجة (الليسانس) في اللغة العربية وآدابها، وحصل على دبلوم عال في التربية من جامعة عين شمس، ثم حصل على الدكتوراه الفخرية من جامعة الزعيم الأزهري بالسودان وعمل معلما بوزارة التعليم بمدينة رفاعة بعدد من المراحل الدراسية أبرزها المرحلة الثانوية ويشهد له النُقّاد والمعاصرين أنه من أوائل الذين ساهموا في نهضة الشعر في البلاد، من خلال الجمعيات الأدبية التي كان يُشرف عليها في المدارس والمعاهد التي كان يعمل بها.

(٢)

يعتبر النُقّاد في السودان، أن الراحل الهادي آدم من كبار الشعراء والأدباء، ليس على مستوى السُّودان فحسب، بل على مستوى العالم العربي. وبالرغم من انتمائه لأجيال سابقة في الحركة الشعرية المعاصرة إلّا أنه يعتبر من الشعراء المُحدثين الذين رفدوا المكتبة الأدبية بقصائد تحمل معاني ودلالات عظيمة خلدتها له المناهج، مثل قصيدة (الأم) التي تمّ تضمينها ضمن منهج اللغة العربية بالصفوف الأساسية. وقصيدة أخرى في رثاء الراحل جمال عبد النّاصر، بعنوان : (أكذا تُفارقنا) ..

أكذا تُفارقنا بغــير وداعٍ يا قبلــة الأبصار والأسمــــاعِ

ماد الوجود وزلزلت أركانه لما نعاك إلى العروبة ناعِ

ماذا عسى شعري وخطبك آخذٌ بالقلبِ ماذا يخطُّ يراعي ؟!

يا صاحبُ الوجه النبيل وحامل الخطب الجليل وقمة الإبداعِ!

(٣)

كانت أغنيات السيدة أم كلثوم تحمل صدًى في نفوس كثير من الشعراء العرب، فكم من شاعرٍ حلم بأن تردد قصائده أم كلثوم، ويلحنها السنباطي وعبد الوهاب. زارت أم كلثوم السودان في عام 1968 لتغني لمصلحة المجهود الحربي بعد النكسة في 1967 في إطار جولتها في عدد من الدول العربية للغرض ذاته، وقررت وقتها أن تغني لعدد من شعراء الدول العربية من بينها السعودية ولبنان. وعندما زارت السودان استقبلت استقبالا رسميا وشعبيا رائعا، ووصفت وقتها الجمهور السوداني بـ (الذوّاق) والسميع؛ لأنه ينصت دون أن يتفاعل بالتصفيق بين كل كوبليه. ولذا اتخذت قرارًا بأن تغني لأحد شعراء السودان، وبدأت تبحث في الشعر السوداني عبر قراءة عدد من الدواوين لشعراء سودانيين، كان من بينهم قصيدة الهادي آدم تحت المسمى القديم (الغد) فتم اختيارها.

(٤)

تجدر الإشارة إلى أنّ كوكب الشرق أم كلثوم غنّت بالثوب السوداني على خشبة المسرح القومي، بأم درمان، أثناء زيارتها للسودان عام 1968م، في حضرة وزير الإعلام وقتها عبد الماجد أبو حسبو، والبروفيسور علي محمد شمّو وكبار الشخصيات. كانت البلاد وقتها قبلة للأنظار، ومحط الثقافات ورموز المجتمع، وملتقى حضارات. غنّت كوكب الشرق بنشوة وأطربت الحضور الذي ملأ جنبات المسرح القومي تغنت برائعة إبراهيم ناجي (الأطلال) و مأمون الشنّاوي (دارت الأيام)، وهذه ليلتي وحلم حياتي بين ماضٍ من الزمان وآتٍ. كان حفلاً مميزًا بثه التلفزيون القومي السوداني والمصري.

(٥)

رحل الشاعر السوداني الهادي آدم، في العام ٢٠٠٦م، عن عمر يناهز الـ (80) عامًا بعد حياة زاخرة بالعطاء في ميادين الأدب والثقافة والفكر، داخل السودان وخارجه. وقدم خلالها للمكتبة العربية عددًا من الأعمال والإصدارات الشعرية كان أولها ديوانه (كوخ الأشواق) ثم (نوافذ العدم) و(عفوا أيها المستحيل). ومسرحيته (سعاد). نعته عدد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية في الوطن العربي، بينما عنونت الصحافة المصرية رحيلة بقصيدته الشهيدة للست أم كلثوم : رحيل شاعر (أغدًا ألقاك) ..

 

أغداً ألقاك يا خوف فؤادي من غدٍ

يا لشوقي واحتراقي في انتظار الموعد

آه كم أخشى غدي هذا وأرجوه اقترابا

كنت أستدنيه لكن هبته لما أهابا

وأهلت فرحة القرب به حين استجابا

هكذا أحتمل العمر نعيماً وعذابا

مهجة حرة وقلباً مسه الشوق فذابا

***

أنت يا جنة حبي واشتياقي وجنوني

أنت يا قبلة روحي وانطلاقي وشجوني

أغداً تشرق أضواؤك في ليل عيوني

آه من فرحة أحلامي ومن خوف ظنوني

***

كم أناديك وفي لحني حنين ودعاء

آه رجائي أنا كم عذبني طول الرجاء

أنا لو لا أنت لم أحفل بمن راح وجاء

أنا أحيا لغد آن بأحلام اللقاء

فأت أو لا تأتي أو فافعل بقلبي ما تشاء

***

هذه الدنيا كتاب أنت فيه الفكر

هذه الدنيا ليال أنت فيها العمر

هذه الدنيا عيون أنت فيها البصر

هذه الدنيا سماء أنت فيها القمر

فارحم القلب الذي يصبو إليك

فغداً تملكه بين يديك

***

وغداً تأتلف الجنة أنهاراً وظلاّ

وغداً ننسى فلا نأسى على ماضٍ تولّى

وغداً نسهو فلا نعرف للغيب محلا

وغداً للحاضر الزاهر نحيا ليس إلا

قد يكون الغيب حلواً.. إنما الحاضر أحلى


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *