دموع السماء تسبق دموع البشر.. أم تلقي برضيعها في الشارع بمدينة سنار!

سنار ـ شبكة_الخبر  ـ في مشهد يُمزّق القلوب، خلت فيه الأمومة من الرحمة، والأرواح من الإنسانية، أقدمت أمٌ -غابت عن قلبها معاني الضمير والنخوة- على ارتكاب جريمة بشعة، حين ألقت بفلذة كبدها، رضيعها حديث الولادة، في شارع عام بمدينة سنار.

أجساد النساء ساحات معارك أخرى

في ظلمة الحرب التي ابتلعت السودان، كانت أجساد النساء ساحات معارك أخرى، خفية وموجعة. وُلد أطفال لا ذنب لهم، يحملون أوزار جرائم لم يرتكبونها، جاءوا إلى الحياة من رحم الألم والخوف والقهر. أما الأمهات، فقد حملن فوق أكتافهن ثقلاً لا تحتمله الروح: وصمة مجتمع يعاقب الضحية ويبرئ الجلاد. كان الحمل خارج الزواج، في زمن الحرب، لعنة مضاعفة؛ يفتك بالقلب قبل الجسد، ويزرع في الدروب عزلة لا تنتهي، حتى بعد أن يسكت الرصاص.

بدم بارد، وضعت الأم آثامها في كيس أسود، وغطّت به وجه الطفل، ثم رمته بلا رحمة تحت لهيب شمس صيفية حارقة، غير عابئة بأن تنهشه الكلاب أو تفترسه الحشرات، وكأنها أرادت أن تمحو أثر وجوده من الحياة.

شاءت أقدار الله أن تمر يد الرحمة في المكان؛ حيث لمح  المواطن مختار ناصر الطفل قرب منزله بمربع (23)، فهرع إليه قلبه قبل قدميه، وانتشله من موت محقق، وسارع لإكمال الإجراءات القانونية، وتسليم الرضيع إلى شرطة حماية الطفل والأسرة، حيث نقل إلى مكان آمن يتلقى فيه الرعاية الطبية والاجتماعية اللازمة.

جسد صغير غضّ، تحوم حوله النملات

كم كان المشهد قاسيًا.. جسد صغير غضّ، تحوم حوله النملات وكأنها تبكي عليه قبل البشر. طفل بريء، لا ذنب له إلا أنه جاء إلى الدنيا في لحظة غاب فيها الوعي، وسقطت فيها كل معاني الإنسانية.

العناية  الإلهية انفذت الطفل من أنياب الكلاب الضالة ومن هلاك محقق، وسخّر له قلوبًا رحيمة امتدت إليه بالنجدة والرعاية.

واليوم، يرقد ذاك الملاك الصغير في سرير دافئ، بين أيدٍ عطوفة تداوي جراحه التي لا تُرى، لكنها محفورة عميقًا في ذاكرة الحياة.

سيكبر هذا الطفل، ويحكي له الزمان قصة نجاته العجيبة، وكيف أن الله كتب له عمرًا جديدًا وسط عالم قاسٍ، لا يرحم.

 أما تلك التي خانت أمومتها، فسيبقى قلبها خاويًا، لا تظله رحمة، ولا يدفئه ضحك طفل كان يمكن أن يكون نور حياتها.

 وهكذا، لا تنتهي الحرب عند هدنة البنادق، بل تواصل غرس سمومها في الأرواح. تبقى قصص الأمهات وأطفالهن المولودين من رحم العنف تذكيرًا صارخًا بأن الجراح الخفية للحرب هي الأعمق أثرًا والأطول نزفًا، تحتاج لعدالة حقيقية لا لمرور الزمن وحده كي تندمل.

 


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *