في الذكرى 20 لرحيله (23 أبريل) .. الخاتم عدلان… بين المنفى والوطن

بروفايل ـ شبكة_الخبر ـ  في مثل هذا اليوم، الثالث والعشرين من أبريل قبل عشرين عاماً، رحل عن دنيانا المفكر والمناضل السوداني الخاتم عدلان، تاركاً وراءه أثراً فكرياً وسياسياً لا يُمحى في ذاكرة السودان المعاصر.
لم يكن الخاتم مجرد ناشط سياسي أو كادر حزبي تقليدي، بل كان عقلًا نقدياً من الطراز الرفيع، انشغل بقضايا التحول الديمقراطي، والعدالة الاجتماعية، وأسئلة الهوية الوطنية في بلد تتنازعه الانقسامات والتمزقات. تميّز مساره بخروجه من رحم الحركة الشيوعية إلى فضاء أوسع من الرؤية النقدية والبحث عن البديل، فصار واحداً من أبرز دعاة التنوير والديمقراطية في السودان. في هذه الذكرى، نستعيد سيرته ومسيرته، تأملاً في ما قدّمه، ومساءلةً لما آلت إليه البلاد منذ رحيله.
الولادة والنشأة: بدايات في قلب الجزيرة
وُلد الخاتم عدلان عام 1948 في قرية “أم دكة الجعليين” وسط السودان، ونشأ في بيئة ريفية تقليدية، لكنه سرعان ما انفتح على عوالم الفكر والسياسة. تلقى تعليمه بمدينة ود مدني، ثم التحق بجامعة الخرطوم، كلية الآداب، قسم الفلسفة، حيث تخرج بدرجة الشرف.

البدايات السياسية والاعتقالات المتكررة
انضم الخاتم إلى الحزب الشيوعي السوداني في سن مبكرة، وكان طالباً بمدني الثانوية آنذاك. نشط في الجبهة الديمقراطية، وتولى مناصب طلابية بارزة منها سكرتير الشؤون الاجتماعية في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم. اعتُقل عدة مرات، أشهرها في أعقاب انقلاب 19 يوليو 1971، واحتُجز في سجون كوبر وشالا وبورتسودان، ما بين 1971 و1978.
“آن أوان التغيير”: لحظة المفاصلة الفكرية
في أوائل التسعينيات، طرح الخاتم رؤيته النقدية للماركسية وتجربة الحزب الشيوعي السوداني، في ورقة عنوانها: “آن أوان التغيير”. ناقش فيها فشل المشروع الماركسي في التغيير، وتحول مواقع الإنتاج من اليد إلى العقل، وفشل البروليتاريا في أن تظل محور الصراع الاجتماعي. كما انتقد قصور الحزب في بناء خطاب يتسق مع تعقيدات البنية السودانية.

الاستقالة من الحزب وبناء البديل الديمقراطي
قوبلت أطروحته بالرفض من قيادة الحزب، فاستقال مع عدد من زملائه في مؤتمر صحفي بلندن عام 1994، وبدأ في تأسيس حركة سياسية جديدة، أطلق عليها لاحقاً “حركة القوى الجديدة الديمقراطية – حق”، بالتنسيق مع تنظيمات سودانية بالمهجر وفي الداخل. ترأس قطاع الخارج بينما قاد الحاج وراق قطاع الداخل، قبل أن ينفصلا لاحقاً.
الرحيل في المنفى والمنع من التشييع
أصيب الخاتم بعدة أعوام من العمل السياسي بالسرطان، وتوفي في لندن في 23 أبريل 2005. سعت أسرته ومحبيه إلى تشييعه في الخرطوم، لكن السلطات منعت ذلك، وتم دفنه في مسقط رأسه بولاية الجزيرة. وقد منع النظام حينها تشييع رموز وطنية أخرى بنفس الأسلوب، منهم الفنان مصطفى سيد أحمد.

إرث فكري وسياسي مستمر
عُرف الخاتم كاتباً ومفكراً وخطيباً ومترجماً، وكان من كتاب صحيفة الشرق الأوسط، وله مساهمات فكرية رصينة في قضايا الديمقراطية، والعلمانية، والنهضة الوطنية. جمعت مقالاته بعد وفاته في كتاب حمل عنوان: “ما المنفى وما هو الوطن”، إعداد الباحث الباقر العفيف. وتولت قيادة حركة “حق” من بعده الأستاذة هالة عبد الحليم.

اقتباس خالد
“ليس المنفى هو البعد عن التراب، بل هو البعد عن الناس، عن الحلم، عن الأمل.”
– الخاتم عدلان
عشرون عاماً مضت على رحيل الخاتم عدلان، ولا تزال أفكاره تتردد في ساحات الفكر والسياسة، شاهدة على نبوءة مبكرة بانهيار الأيديولوجيات الجامدة، وحاجة السودان إلى مشروع وطني جامع يتجاوز الانقسامات ويحتضن التعدد. لم تكن رحلة الخاتم مع الفكر والسياسة نزهة، بل كانت محفوفة بالمخاطر، من السجن إلى المنفى، ومن المواجهات الحزبية إلى الانكسارات الجسدية.
ومع ذلك، ظل وفياً لقيمه حتى آخر رمق. إن استذكار الخاتم اليوم ليس مجرد وفاء لذكراه، بل استدعاء لعقل نقدي نادر في زمن الحاجة الماسة إلى صوت العقل والحوار والديمقراطية.

المراجع:

1. موسوعة ويكيبيديا – سيرة الخاتم عدلان
2. ورقة “آن أوان التغيير”، منشورة في مجلة الشيوعي وقضايا سودانية
3. كتاب “ما المنفى وما هو الوطن”، إعداد: الباقر العفيف
4. أرشيف صحيفة الشرق الأوسط
5. شهادات ومقالات منشورة في مناسبات تأبينية سابقة


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *