عثمان ميرغني يكتب :خالد عمر يوسف

حديث المدينة – الثلاثاء 15 أبريل 2025
استمعت إلى مقطع من ندوة أُقيمت في قاعة بلندن، تحدث فيها المهندس خالد عمر يوسف، نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني، قائلاً: «الناس تتحدث عن انتهاكات حرب 15 أبريل كأنها الانتهاكات الأولى في السودان. يقولون: والله العظيم شُفشفوا بيوتنا. أنتو عارفين الجيش في الجنوب كان بيعمل إيه للبيوت؟ ما كان يشيل ثلاجاتهم وتلفزيوناتهم، كان يحرقهم بالناس الموجودين جواهم. من 1/1 دي موثقة يا جماعة!»
بصراحة، لم أصدق أذني عندما سمعت هذا المقطع. ولولا أنه مصور بالفيديو ولا مجال لإنكاره، لظننت أنه تدليس من خصومه. لكنه هو، بنبرته المعتادة وسياق يلتمس إعجاب الحضور، الذي جاءه سريعاً في تصفيق خجول من البعض، بينما آخرون ربما لم يستطيعوا بلع هذا الحجر الكبير. و حتى لا نتعجل في الحكم على خالد، من الحكمة أن نسأله عن الوقائع التي نسبها للجيش في حرب الجنوب. أين أحرق الجيش الناس في بيوتهم؟ الجريمة منسوبة للجيش كمؤسسة، وليس لفرد أو ضابط. المؤسسة العسكرية السودانية التي بلغ عمرها مئة عام.
ولنفترض أن الجيش سلك المسار القانوني وتقدم ببلاغ إلى النيابة، فما هي الأدلة التي يستطيع خالد تقديمها؟ حتى لو استعان بألف محام، هل يملك ما يثبت ادعاءه؟
ولنترك ذلك جانباً.
طالما أن خالد سياسي ونائب رئيس حزب المؤتمر السوداني، لنفترض أن الرئيس البرهان تنازل اليوم عن الحكم وأسند الأمر إلى المكونات السياسية، وشاء القدر أن يتولى خالد منصب رئيس الوزراء. فكيف يكون مؤهلاً لقيادة جيش اتهمه بجريمة نكراء لم يغفر العالم لهتلر نظيرها، وظل يطارد كل من عاونه لنصف قرن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية؟
الحقيقة، لا يمكن توجيه اللوم لخالد وحده، بل للحال التي أوصلت السودان إلى أن يصبح جيشه أقصر حائط يستطيع أي سياسي القفز فوقه، وإطلاق الاتهامات دون أن يطرف له جفن.
في الندوة الافتراضية الشهيرة التي تحدثت فيها في يوليو 2023، بعد اندلاع الحرب بثلاثة أشهر، وعنوانها «مستقبل الأحزاب السودانية»، أثارت ضجة كبيرة لا تزال في ذاكرة الكثيرين. كان الخط الرئيسي للندوة أن الوقت حان لمحاسبة السياسي في السودان على قوله وفعله، وأن تُؤسس نيابة متخصصة لذلك، كما هو الحال مع نيابات الصحافة والمعلوماتية.
الساسة جميعاً – وخالد مجرد مثال – يتساهلون في القول والفعل الضار بالوطن والمواطن، لأنهم في حل من المسؤولية الجنائية. يستطيع أصغر سياسي أن يفعل «الشبعة وذمتها» ثم يذهب إلى أهله يتمطى، كأن لم يقل شيئاً يستوجب وقوفه أمام القضاء لنيل جزائه.
بكل تأكيد، عندما قال خالد ما قال في لندن، لم يكن يلتمس سوى صدى التصفيق الماثل أمامه كمقياس لأدائه السياسي. لكنه لم يهتم أو يفكر في المعنى الحقيقي لكلامه. وهذا، للأسف، يهزم صورته السياسية أمام الجميع، حتى أولئك الذين صفقوا على استحياء، ربما مجاملة لحظية، لكن وازعاً وطنياً في ضمائرهم يرفض هذا الانزلاق الخطير في تجريم المؤسسة العسكرية السودانية،من أحل لتخفيف وطأة انتهاكات قوات التمرد.
سؤال بسيط: هل يمكن أن تتوقعوا من المهندس عمر الدقير أن يقول مثل هذا؟
خالد يحتاج إلى استدراك مسلكه السياسي.


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *