حمّور زيادة يكتب :جريمة اختطاف المدنيين في السودان

قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، إن الممارسات واسعة النطاق للاحتجاز التعسّفي والتعذيب، وسوء معاملة المعتقلين وظروف الاحتجاز غير الإنسانية، التي تتعارض مع المعايير الدولية، أمر مزعج جدّاً.

منذ اندلعت الجولة الأحدث والأعنف من الحرب الأهلية السودانية في 15 إبريل/ نيسان 2023، ظلّت التقارير الدولية ترصد حالات الاختطاف غير القانوني للمدنيين. الجريمة التي تسمّى، على سبيل التدليل (والتخفيف)، “الاعتقال”. ذكر تقرير البعثة الدولية المستقلّة لتقصّي الحقائق، الصادر في سبتمبر/ أيلول 2024، تورّط قوات الجيش السوداني، وخصمها قوات الدعم السريع، في احتجازٍ غير قانوني للمدنيين، وعمليات تعذيب تصل إلى الموت. وهو ما رصده تقرير مفصّل للمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان. تتبّع التقرير حوالي 40 مركز اعتقال تابعا لـ”الدعم السريع” داخل الخرطوم، ووثق شهادات عدد من الناجين من هذا الجحيم. ورصد التقرير الصادر في مارس  2025، روايات موثّقة لمعتقلين سابقين تعرّضوا للمعاملة القاسية والتعذيب. ووصفوا التكدّس ونقص الطعام والشراب وانعدام الخدمات الصحّية. كما وثّقت شهادات الناجين من معتقلات الطرفَين للمعاملة التمييزية على أساس العِرق. نتيجة لذلك، يتعرّض بعضهم للاحتجاز أو للتعذيب بسبب ملامحهم والشكّ في الانتماء لقبيلة تدعم الطرف المسلّح الآخر. بحسب التقرير الأممي المذكور، فإن قوات الدعم السريع تستخدم الأطفال دون عمر 14 عاماً حرّاساً في المعتقلات. كما تعتقل أطفالاً رفقة أمّهاتهم، وبعض ذوي الاحتياجات الخاصّة.

ورصدت التقارير الدولية حوادث الاستغلال والعنف الجنسي ضدّ النساء المحتجزات. وقد ظلّت قضية الاعتداءات ضدّ النساء حاضرةً منذ حروب دارفور، مع توثيق اتهامات عن عنف جنسي واعتداء طاول آلاف النساء في حرب الابادة الجماعية، التي وقعت في الإقليم الملتهب. وهي من الجرائم التي دفعت المحكمة الجنائية الدولية إلى توجيه اتهامات للرئيس السوداني السابق عمر البشير، وعدد من قيادات نظامه، وقيادات الجيش. لكن ما حدث في دارفور مرّ بلا محاسبة، فعاد ليتكرّر في صورة أوسع في العاصمة الخرطوم وغيرها.

شهد ناجون من معتقلات “الدعم السريع” بعمليات التعذيب الوحشي، التي تعرّضوا لها. وهو تعذيب همجي لا بقصد شيء إلا إشباع السادية، والتلذّذ بآلام البشر. فكانو يخضعون للتعذيب إذا تعرّضت “الدعم السريع” لهزيمة أمام الجيش، أو إذا تحدّث أحدهم بصوت مرتفع، أو نظر لأحد الحرّاس، أو إذا حاول معتقلون آخرون الهرب. وبعد تقدم قوات الجيش السوداني في العاصمة الخرطوم وهزيمة “الدعم السريع”، وتراجعها إلى إقليمي كردفان ودارفور، حرّر الجيش مئات الأسرى المدنيين من معتقلات سرّية. ظهر المحتجزون في حال شديدة السوء، وهُزال غيّر ملامحهم. وقد توفّي عدة معتقلين عقب تحريرهم لسوء حالتهم الصحّية.

تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان وثّق شهادات ناجين ذكروا أن المُحتجَزين يحصلون على وجبة واحدة في اليوم، وكمّية قليلة من الماء للشرب والنظافة، ويقومون بأعمال سخرة قاسية. لذلك، ظهر كثيرون وقد تحوّلوا هياكلَ عظميةً يكسوها الجلد. ظروف الاحتجاز غير الإنسانية ساهمت في تفشّي وباء الكوليرا في هذه المعتقلات. نتيجة لذلك توفّي عدد كبير من المُحتجَزين. وبحسب شهادات المحرّرين فإن جنود “الدعم السريع” كانو يتركون الجثث داخل الزنازين ساعاتٍ طويلةً قبل نقلها.

المخيف أن التقارير الدولية وثّقت نقل “الدعم السريع” مئات المُحتجَزين من الخرطوم إلى دارفور عند انسحابها، ممّا يعني أن هناك أسرا سودانية ما زالت تجهل مصير أبنائها المختفين. وتثير هذه المسألة القلق على مصير المُحتجَزين، الذين في الغالب يُستخدَمون دروعاً بشريةً تسهّل على مقاتلي المليشيا الانسحاب من دون التعرّض لقصف الطيران.

لم تكن حرب 15 إبريل (2023) بدايةَ جريمتَي الاختفاء القسري والاحتجاز غير القانوني في السودان، فهذا نمط مستمرّ منذ عهد نظام البشير، ومنذ 3 يونيو  2019، عندما فضّ المجلس العسكري الحاكم وقتها الاعتصامات المدنية المعترضة على حكمه، فاختفى مئات الشبّان من المعارضين للحكم العسكري، من دون أيّ علامة (حتى اليوم) على مصيرهم. وقبل أن تصل التحقيقات في هذا الملفّ إلى نتيجة، اندلعت الحرب أخيراً، لتخفي آلافا آخرين لا يعرف مصيرهم أحد.

نقلا عن-العربي الجديد

اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *