عثمان ميرغني يكتب : عقلية التخطيط في مقابل عقلية التنفيذ

حديث المدينة  الأربعاء 9 أبريل 2025
أمس، اقترحت هنا الإسراع في تنفيذ مشروع مطار الخرطوم الجديد (جنوب غرب أم درمان) بدلاً من إهدار المزيد من الجهد والموارد في تأهيل مطار الخرطوم الحالي، الذي فقد صلاحيته منذ سنوات طويلة، وظل وصمة عار في جبين الدولة السودانية، خاصة أمام الزوار الذين يصدمهم فقره وتردي أحواله.
من الحكمة أن نعيد التذكير بأن الجدوى الاقتصادية لمطار الخرطوم الجديد مرتفعة وجاذبة ومغرية للاستثمار. وأضع أمامكم بعض الأرقام من المطارات المحيطة ببلادنا للمقارنة:
•مطار القاهرة: يعمل حاليًا بسعة 29 مليون مسافر سنويًا، مع خطة لمضاعفة هذا الرقم إلى 60 مليون مسافر بحلول عام 2030.
•مطار أديس أبابا: يشهد معدل حركة طيران يبلغ حوالي 380 رحلة يوميًا، أي ما يعادل 138,000 رحلة سنويًا، بسعة حالية تصل إلى 22 مليون مسافر سنويًا، وتخطط إثيوبيا لرفع السعة إلى 60 مليون مسافر بحلول 2029.
•مطار نيروبي: تهدف الخطة إلى الوصول بسعته إلى 25 مليون مسافر سنويًا في 2025.
•مطار جدة: سعته الحالية 80 مليون مسافر سنويًا.
•مطار دبي: يستوعب 115 مليون مسافر سنويًا.
من هذه الأرقام، تتضح الصورة لما يجب أن يكون عليه تصميم مطار الخرطوم الجديد. ومن السهل جدًا حساب الجدوى الاقتصادية والعائد الحقيقي لمدة قد تمتد إلى 15 عامًا بدقة عالية. لكن الأمر يعتمد كليًا على عقلية التخطيط. وللأسف، لا نزال في السودان نعاني من فقر هذه العقلية، رغم كثرة حاملي الشهادات العليا في التخطيط. فالخلط الواضح بين عقلية التخطيط وعقلية التنفيذ يكبل قدرتنا على الانطلاق. التخطيط خيال، وبدون خيال يتحول إلى مجرد آهات تعبر عن آلام الحاضر بدلاً من آمال المستقبل.
في كتابي “السودان.. الجمهورية الثانية”، أوضحت المفاهيم الأساسية التي يقوم عليها التخطيط، وعلى رأسها: الفصل بين من يتولون التخطيط ومن يتولون التنفيذ. القيادة التنفيذية تنشغل بالمحددات والتحديات والقيود المالية والإدارية، ولا يستطيع المدير التنفيذي أن يطلق العنان لخياله دون الالتفات إلى واقعه. بينما المخطط كالطائر الحر، يرفرف في فضاء بلا قيود، بعيدًا عن هموم الوضع الراهن.
مطلوب من المخطط أن يستخدم خياله، يرسم أفضل مستقبل يتصوره، ويصمم الخطة على أساس يتجاوز معوقات الواقع. التخطيط يحمل الآمال، والتنفيذ يتحمل الآلام. ولهذا اقترحت في كتابي أن يحتكر المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي تصميم الخطة الاستراتيجية القومية، تاركًا للجهاز التنفيذي صياغة الخطط التنفيذية فقط (Action Plan).
عندما كتبت أمس عن أهمية المضي قدمًا في تشييد مطار الخرطوم الجديد بأعلى التقنيات وأسرع الوسائل، كنت أعني أن هذا ما يجب أن تكون عليه كل المشروعات في سودان الجمهورية الثانية، التي تتمخض عن تجربة حرب 15 أبريل 2023 المريرة.
بالنظر إلى الأرقام السابقة، من الحكمة أن يتسع خيال التخطيط الاستراتيجي لمطار الخرطوم الدولي ليكون بسعة لا تقل عن 150 مليون مسافر سنويًا بحلول عام 2030. قد يُطرح السؤال عن الحيثيات التي تدعم هذا الطموح. وهذا ما سأوضحه.
نقلا عن – صحيفة التيار السودانية

اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *