حديث المدينة الاثنين 7 أبريل 2025
قبل سنوات عندما كنت في صحيفة “الرأي العام” أجريت تحقيقاً استقصائياً عن تزوير الشهادات الجامعية.. واجتهدت حتى تحصلت على أحد كبار المزورين..
كان رجلاً في غاية الاحترام، يرتدي “جلابية” بيضاء وعمامة أنيقة، هادئ الطبع، له لحية تنبض بمظاهر التقوى والورع.. وعندما أتأخر من الحضور لمكتبي ينتظرني.. فأجده يصلي الظهر اماماً بالموظفين في المكان.
المهم؛ قدم لي عروضه –المالية- للشهادات الجامعية.. كل جامعة لها سعر محدد..
أعلى قيمة كانت لجامعة الخرطوم (600 ألف جنيهاً للشهادة) .. وأدناها كانت لجامعة معروفة (250 جنيهاً للشهادة).. وقال لي أن فرق السعر لا علاقة له بسمعة الجامعة، بل بـ(سهولة) عملية تزوير الشهادة حسب الجامعة.. وعندما أكدت له أن صديقي المغترب الذي يرغب في الحصول على الشهادة يخشى أن يكتشف تزويرها في بلاد الغربة فيدخل نفسه في جحر الأفاعي..
طمأنني بمنتهى الثقة أن الشهادة لن تكون (مزورة).. لأنهم سيضعون الاسم في كشوفات السنة الاولى بالجامعة والكلية المقصودة ثم ينقلونه درجة درجة إلى السنة النهائية ويتخرج بنجاح.. كل هذا في يوم واحد.. ثم يستخرجون في اليوم التالي (شهادة أصلية).. لا يرقى إليها الشك..
مباشرة بعد نشر التحقيق (وفيه قائمة كاملة بأسعار كل الجامعات) زارني رئيس الجامعة التي كانت في ذيل قائمة (الشهادات المزورة) وكان غاضباً بدرجة (حانق جداً).. مد لي بمبلغ (500) جنيهاً وقال لي (أدينا شهادتين مزورتين)..!! طبعاً يقصد شهادتين للجامعة التي يرأسها..
فقلت له ( عندما أكتب.. فأنا صحفي.. ولكن عندما استخرج شهادة مزورة.. فأنا مجرم تستطيع تسليمي لأقرب مركز شرطة)..
رئيس حزب سياسي- أيام الانقاذ- صرح للصحف أنه فقد فرصة الحصول على منصب وزير اتحادي في الحكومة القادمة لعدم حصوله على (شهادة جامعية)..
وهو أحد شروط الاستوزار.
الخبر أثار دهشتي للغاية، ليس لأنه لم ينل شهادة، فهذا شأن خاص به.. ولا لأن (الشهادة الجامعية) أصبحت أحد مؤهلات الوزارة.. فهذا أمر عادي أن يشترط مؤهل أكاديمي لتولي منصب حكومي.. بل الذي حيرني هو (الشهادة الجامعية) نفسها.
صحيح، وكما قال هو نفسه أنه ما أسهل أن يستخرج شهادة جامعية بل بدرجة الدكتوراة باسم الجامعة التي يشتهيها.. لكن يبقى السؤال..
هل صحيح أن المؤهل الجامعي فعلاً يؤهل صاحبه بما يعادل الدرجة الجامعية…
بعبارة أخرى.. هذا التعليم الذي نراه شاخصاً أمامنا.. هل يمنح التأهيل الذي يستحق أن يكون فيصلاً في شغل المناصب الدستورية أو غيرها..
أخبار الأطباء المزيفين صارت أكثر من عادية.. لكن ما هو غير عادي أنه لا يفتضح أمرهم إلا بعد سنوات طويلة من الممارسة اليومية.. بلا شهادات!!
فإذا كان الطب بكل تعقيده قابل لـ(التزوير) فما بالك بالمهن مثل المحاماة والصحافة وغيرها..
أصحاب الشهادات في كل تخصص.. هل هم مؤهلون لمجرد كونهم حازوا على (ورقة الشهادة).. أم هناك معايير اخرى يجب أن تثبت (تأهيل) صاحب الشهادة..
أما الدكتوراة و غيرها من الدرجات العليا.. فأمرها آخر..
من فرط سهولة الحصول عليها.. يساورني الإحساس أن يأتي يوم يحصل الطالب فيه على الدكتوراه أولا ثم البكالوريوس..
نقلا عن .. صحيفة التيار
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.