عثمان ميرغني يكتب : العطا .. يحرج الدبلوماسية السٌودانية

حديث المدينة الثلاثاء 25 مارس 2025
لا أحد ينكر أن الفريق أول ياسر العطا قاد الشأن العسكري في شقيه العملياتي والجماهيري من أول ساعة للمعركة .. وفي أحلك الظروف كان يصول ويجول في الهواء الطلق غير متهيب من التربص.. ونجح في تعلية حشد الشعور الشعبي خلف الجيش و رفع مناسيب الدعم الجماهيري بالتطوع و الانخراط في المجهود العسكري.. ولكن!
المعركة ليست كلها عسكرية.. لها عناوين أخرى تتطلب الشجاعة والاقدام ذاته لكن في سياق آخر.. على قول الشاعر أبي الطيب المتنبي.
الرأي قبل شجاعة الشجعان.. هو أول وهي المحل الثاني.
الميدان العسكري تؤازره الميادين قوى الدبلوماسية والاعلامية والرياضية والثقافية والأدبية.. كلها مسارات تؤدي للهدف ذاته..
ولكل منها خصائصه و شروطه.. وفنه ومهاراته..
السيد ياسر العطا دأب على اطلاق تصريحات عابرة للحدود تؤذي المؤسسة الدبلوماسية السودانية التي لديها تقديرات تعتمد على مبدأ حسن التواصل والانفتاح و احتواء الآخر لدعم السودان وقواته المسلحة.
ولفت نظري أن المنصات التي يطلق منها العطا تصريحاته العابرة للحدود في الغالب منابر خطابة شعبية عفوية.. خطب مرتجلة في خلفيتها اما مناسبة عزاء لأسرة شهيد – كما حدث أمس الأول- أو لقاء مع تجمعات عسكرية و أحيانا جماهيرية..
تغيب عنها الصورة المؤسسية المدروسة التي تقف خلفها آلية رسمية تتبنى خطة تستهدف الوصول لغايات محددة.
و من هذه الزاوية ربما تعكس تصريحات العطا خللا في الدولة أكثر منه في الرجل ذاته.. غياب الدولة بمعناها المؤسسي يطلق العنان للاجتهاد الفردي المعزول عن النظرة الاجمالية للمشهد.
في تصريحات امس الاول هدد العطا دولا من الجوار.. و كان اكثر تفصيلا في طبيعة الاستهدف كونه يطال مطارات محددة.. ونتيجة ذلك أصدرت تشاد بيانا عبر وزارة الخارجية لم تكتف بالتنديد بل لفتت نظر المجتمع الدولي لهذا التهديد الذي وفر العطا على تشاد جهد اثباته..
و الشقيقة التوام دولة جنوب السودان اصدرت بيانا من الخارجية ثم استدعت سفيرنا في جوبا.. الذي أتوقع أنه لم يجد من الكلمات ما يكفي لتبرير أو توضيح مقالة العطا.. و ربما كان أول ما تفاجأ بها حتى قبل حكومة جنوب السودان سفيرنا في جوبا نفسه.
عند استعادة الجيش السوداني القصر الجمهوري لم تقتصر الفرحة على السودانيين وحدهم.. بل عزز الانتصار صورة السودان الخارجية التي تأثرت كثيرا بنقل العاصمة الى مدينة بورتسودان لتصبح عاصمة بديلة مؤقتة .. غالبية البعثات الدبلوماسية الأجنبية غادرت السودان و صارت تدير اعمالها من العواصم المجاورة، القاهرة و اديس أبابا ونيروبي. ولم تتنقل الى بورتسودان الا سفارات أقل من أصابع اليد الواحدة.
استطاع الجيش السوداني أن يلفت أنظار العالم ويعزز صورة وشرعية الدولة السودانية.. لدرجة ان صحيفة واشنطون بوست أفردت صدارة صفحتها الأولى مع صورة كبيرة للقصر الجمهوري والقوات تحتفل أمامه.
في وسط كل هذا الزهو.. يحول العطا المعركة في اتجاه آخر.. ويضع الدبلوماسية السودانية في حرج عظيم.. لا هي قادرة على ان تقول لا للعطا.. ولا قادرة على معالجة اثار خطابه المرتجل العفوي.
معركة السودان لم تنته بعد.. ولا يزال المشوار فيه تحديات جمة.. فلماذا يفتح العطا ميدان حرب مع دول الجوار قبل إطفاء نار حربنا الداخلية.

نقلاً عن : صحيفة التيار


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *