دكتور أمجد سلمان يكتب: ليلة سحور المهندسين السودانيين في قطر.. يا سر الليالي

 السحور السنوي للمهندسين مناسبة اجتماعية اكتسبت بعداً روحياً و إيمانياً بعد عكس تجربة الإعلامي سوار الذهب الأخيرة في السودان.

– تبادلُ الشعر الرصين بين شاعر الثورة معد شيخون والأستاذ إسماعيل المحينة حلّق بالحضور إلى آفاق رحبة.

 أقامت رابطة المهندسين السودانيين في قطر يوم الخميس 13 مارس 2025 الموافق 13 رمضان 1446 هجرية سحورها السنوي في فندق راديسون بلو بالدوحة (فندق رمادا سابقاً)، حيث استضافت الرابطة عضويتها وأسرهم وضيوفهم، بالإضافة إلى العديد من رؤساء الروابط المهنية وعدد كبير من الناشطين السودانيين في العمل العام بقطر.

 وقد شرّف المناسبة سيادة قنصل جمهورية السودان بقطر السيد حسن الشريف، والكثير من الضيوف الكرام، منهم على مثالاً لا حصراً: سعادة السفير عبد الرحيم الصدّيق سفير السودان السابق في قطر، البروفيسور نمر البشير الرئيس السابق لرابطة المهندسين السودانيين في قطر، والأستاذ محمد عثمان مجذوب رئيس رابطة المعلمين، د.عبد الباقي الجزولي رئيس رابطة القانونيين، د. أنور دفع الله رئيس رابطة محترفي تكنولوجيا المعلومات، د. صلاح الحبّو من رابطة الماليين السودانيين، وسيدة الأعمال القطرية الأستاذة أسماء العامري. التي قدمت دعماً عينياً معتبراً في إحدى مبادرات رابطة المهندسين، وغيرهم من الشخصيات المؤثرة والفاعلة في المجتمع السوداني في قطر.

أُبتُدِر السحور بآيات من الذكر الحكيم و بكلمة ترحيب من رئيس الرابطة الباشمهندس هاشم ابن عوف  والذي رحَّب بالحضور شاكراً عضوية الرابطة على الالتزام الكبير بالمساهمة الفاعلة في برامج الرابطة ومشاريعها خاصة في الفترة الماضية.

انطلق برنامج الأمسية بحوار جميل بين شاعر الثورة الباشمهندس مَعَد شيخون و الأستاذ الشاعر إسماعيل المحينة الاقتصادي و المترجم المخضرم، أدارت الحوار باقتدار من على مسرح جيوان الإعلامية المتمكنة الأستاذة سارة محمد عبد الله، حيث قطفت من بساتين الشاعرين أرق قصائد الفصحى والعامية، بأسلوب جميل و تحفيز إيجابي لدفعهما جيئة وذهاباً بين العامية المحببة للنفوس و الفصحي البليغة في التعبير و التأثير وقد أبدع العم الشاعر إسماعيل المحينة بمسادير البادية السودانية التي أطربت السامعين. ومن ذلك مربوع من مسداره حزنا على انفصال الجنوب حيث قال:

وطن العزّة كم ربيت نمور وأسودا

وا أسفاي عليك جاتك سنيناً سودا

حاد بيك الزمان حكموك ناس الكودة

بعد ماك بنطلون.. ديل فصّلوك برمودا

ومضى المحينة مترنماً في حديث أشبه بالغزل في كنداكات الثورة:

هتافك راقي حرية و سلام وعدالة

والمدنية بالمنطق حسمتي جدالها

كنداكتنا يا وسط الجموع قدّالة

عجلة قلبي بي بشيشك على بدّالها

 

   بعد ذلك تمت دعوة الإعلامي الموهوب سوار الذهب علي محمد ليتحدث عن برنامجه عُمران المتمحور في هذا الشهر الفضيل عن السودان، والذي يُبث حالياً في تلفزيون قطر. موضحاً أنّ كل حلقة تبث في 30 دقيقة في التلفزيون تقابلها 16 ساعة من التسجيل يتم بعدها تلخيص المعلومات في وقت البث التلفزيوني المعهود، و تشذيب المادة الطويلة بدقة شديدة، وقد قال بصوت متهدج أن تجربة السودان في ظل ظروف الحرب المعلومة للجميع كانت تجربة ثرّة و علمته الكثير من معاني الإيثار والتوكل على الله، وعلى وجه الدقة ذكر تجربة عم عبدالرحيم في مدينة كوستي والذي عندما ذهبوا إليه لتقديم المساعدة والسؤال عن الحال ّدلّهم على من هو أشد حاجة منه مع أنه كان يعاني الأمرّين، لكنه جسّد معاني الإيثار الدينية الباذخة في قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾

 

و رغماً عن ظروفه القاسية إلا أنه أكرمهم غاية الكرم وذبح لهم شاته الوحيدة. وعبر سوار الذهب عن ذلك ببلاغة ماضية حيث قال “والله أنني أحسست كأنني انتقلت إلى زمن الصحابة وبطولات التاريخ”، وأردف قائلاً: أمثال عم عبدالرحيم هم الأبطال الحقيقيون و ما سخر الله لنا هذا السفر إلا لنقل تجاربهم المذهلة إلى العالم”. وقال مخاطباً الحضور:” إن بلادنا بخير رغم هذه التجربة المريرة لكنها تحتاج سواعدنا كلنا لإعادة بنائها”.

 

وفي حوار جانبي بعد نزوله من المنصة قال إن هناك الكثير مما يمكن عمله خاصة إذا خلصت النية بين الناس، وناشد بعض قيادات المهنيين أن ينسقوا مع بعضهم لإقامة مشاريع مشتركة تعود بالنفع على الناس وترفع من معاناتهم ووعد بأن يقدم كل ما يمكنه من تغطية إعلامية عندما تتبلور تلك الأفكار والمبادرات في مشاريع محددة. بيد أن رسالته الأبلغ أن معظم السودانيين يستهلكون طاقاتهم الخلّاقة في نقاشات سياسية فاقدة لبوصلة الأعمال والمساعدات الإنسانية التي يمكن أن تغير الكثير بل أنها قد تحمل الناس للاتفاق على القضايا الكبرى للسودان في نهاية المطاف بعد أن يعوا حجم المأساة الإنسانية التي تعيشها البلاد و يلامسوها على أرض الواقع.

 

لقد أثارت كلمات الإعلامي سوار الذهب علي محمد في الحضور شجون كثيرة وذكّرت كاتب هذه السطور بقصيدة المبدع محمد المهدي المجذوب في قصيدة ليلة المولد يا سر الليالي و التي قال فيها:

ليلة المولدِ

يا سر الليالي والجمالِ

وربيعاً فتن الأنفسَ

بالسحرِ الحلالِ

موطن المسلمِ في ظلك

مشحونُ الخيالِ

طاف بالصاري الذي

أثمرَ عنقودَ السـنا

ومضي عن فتنةِ الحسنِ الحجاب.

في ختام الجلسة الأولى قام الحضور إلى وجبة السحور وبعدها رجع الجمع لبرنامج ترفيهي تفاعلي على شكل مسابقات معرفية، الجزء الأول منه بعنوان من كل نبع قطرة ومن كل بستان زهرة قدمه الشاعر إسماعيل المحينة، وقدّم الجزء الثاني من المسابقات الباشمهندس مُسلِم إسماعيل باستخدام برنامج كاهوت التفاعلي وقد فاز بهذه المسابقة الابن عبدالرحمن هاشم ابن عوف.

 من المساهمات المؤثرة كانت كلمة ممثل سكن المهندسين و المهندسات الباشمهندس ياسر الصافي، وهي مبادرة قامت بها رابطة المهندسين السودانيين في قطر قبل حوالي عام بإسكان حوالي ٤٨ مهندساً سودانياً تقطعت بهم السبل في سكن جماعي منظم بشكل ممتاز في منطقة مكينس التي تقع على شارع سلوى على بعد 25 كيلومترا من الدوحة، وفيلا سكن للمهندسات في منطقة العزيزية السكنية، و قد شرح المهندس ياسر الصافي التجربة و كيف أن المهندسين استفادوا من فترة سكنهم الجماعي ذاك فحولوه إلى ما يشبه داخليات الطلاب الجامعيين في السودان مع الفرق أنهم كانوا من الخريجين مع تباين فترات خبراتهم العملية بعد التخرج، و شرح كيفية أنهم نظموا كورسات وورش لتدريب مهارات اللغة الإنجليزية و التواصل بصورة شبه يومية، كما تضمن تبادل الخبرات كورسات متخصصة مختلفة يقدمها ذوو الخبرة الأطول لشباب المهندسين مما أكسبتهم مهارات إضافية ساهمت في توظيف العديد منهم في نهاية المطاف، كما أن من توظفوا قاموا بإخلاء السكن لإتاحة الفرصة لمحتاجين آخرين مما جعل المستفيدين من مبادرة السكن بعد الاحلال والإبدال حوالي 142 مهندساً ومهندسة.

لقد ظلت الروابط المهنية والجاليات السودانية حول العالم، رغم الأوضاع الصعبة التي يعانيها المغتربون بعد الحرب، تبذل الغالي والنفيس في سبيل تذليل الصعوبات التي تواجه السودانيين المهجّرين قسرًا بسبب الأوضاع الأمنية المتردية. من أمريكا إلى أستراليا مروراً بدول الإتحاد الأوروبي و الخليج. يتحد السودانيون في دعم بلادهم عبر مشاريع حيوية تعين أهلهم في الداخل عبر تقديم الغذاء عبر التكايا والعلاج عبر حملات التبرعات المتواصلة للمستشفيات ورفدها بالكوادر والحوافز المالية، ولايجب أن نغفل الدور المفصلي الذي يقوم به المتطوعون في كل مدن السودان في تنسيق هذه المساعدات و إيصالها إلى المحتاجين، لكن تظل كلمات الإعلامي سوار الذهب تتردد في الأذهان بضرورة مضاعفة الاهتمام بالعمل الطوعي خصماً على الجدال السياسي الذي يفرق الناس، ومن ناحية أخرى نستبين جميعا ضرورة استغلال هذه المحنة الكبيرة في التفكير الجماعي بين كل القطاعات لوضح حلول إبداعية لإشكالات البلاد التي أدت لهذه الكارثة الإنسانية، فغايتنا متعلمين و مهنيين و مثقفين التفكير المشترك في وضع خطط تنموية كبرى تهتم بتقديم الخدمات و تطويرها في كل مدن السودان حتى تكون مناطق جاذبة ومنتجة، إذ ظهر للجميع بعد استباحة العاصمة أن الخدمات العلاجية في مدن و أقاليم السودان الكبرى شحيحة للغاية، و أن مدينة بورتسودان لا زالت تعاني من شح أبسط الخدمات في توفير المياه و الكهرباء.

 

كل الشكر و الامتنان لكل الروابط المهنية و الجغرافية و النسوية في قطر و حول العالم ، الذين استنفروا عضويتهم و أهلهم في سبيل رفع المعاناة عن الناس قدر المستطاع ، و يقيني أنه رغماً عن قسوة هذه التجربة فإنها ستساهم في انطلاقة كبرى لسودان المستقبل المشرق الذي يراه البعض بعيداً وأراه قريباً يانعاً ومورقاً بشبابه الجميل مجسداً قول شاعر الشعب محجوب شريف:

وجيلاً جايي حلو الشهد

صبايا وفتية يمرحوا في صباح الغد

عيونهم برقهن لمّاح

سؤالهم رد

خفاف ولطاف

وثّابين أوان الجد

دفاعاً عن حياض السلم والإفصاح.

 

الدوحة الجمعة 14 مارس 2025


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *