حديث المدينة الخميس 13 مارس 2025
جلس الرئيس الأمريكي ترامب على يسار ضيفه الرئيس الأوكراني زيلينسكي في البيت الأبيض. ولإضفاء المزيد من الإثارة وجذب الانتباه، أحضر نائبه “جي دي فانس” وأدخله في “الكادر”. بدأت الدراما تتصاعد أمام الكاميرات ووسائل الإعلام المفتوحة، حيث تبادل الطرفان الكلمات التي بدت أقرب إلى اللكمات. تابع الجمهور المشهد بأعصاب مشدودة، بينما انهالت أسئلة الصحفيين، بعضها من باب “المديدة حرقتني”. على سبيل المثال، سأل أحد الصحفيين زيلينسكي عن ملابسه ولماذا لا يهتم بالزي “الرسمي”، فأجاب زيلينسكي مازحًا: “بمجرد انتهاء الحرب، سأشتري بدلة مثل بدلة الصحفي صاحب السؤال، وربما أغلى منها… أو أقل سعرًا”.
ولم تكتمل الدراما إلا بالمشهد الأخير: غادر الوفد الأوكراني البيت الأبيض في قافلة سيارات، لتنهال الأسئلة الصحفية مجددًا: “هل طرده ترامب؟ أم غضب زيلينسكي وقرر إحراج ترامب بالامتناع عن الدخول إلى قاعة المباحثات الرسمية؟” ثم خرج ترامب بتصريح قال فيه إنه هو من طرد زيلينسكي، بل وأضاف: “عد إلى البيت الأبيض عندما تكون جاهزًا للحديث عن السلام”.
في طريق عودته من هذه الرحلة المضطربة، زار زيلينسكي بعض قادة أوروبا الكبار، حيث وجد استقبالًا بروتوكوليًا فخمًا، في رسالة مباشرة موجهة إلى البيت الأبيض. في ذلك اليوم، علقت على صفحتي في فيسبوك قائلًا: “الدرس الأول في التحليل السياسي: انزع الدراما من المشهد كما تنزع قشر البرتقالة قبل أكلها”. لم أقصد أن معركة البيت الأبيض كانت تمثيلًا متفقًا عليه بين الطرفين، لا، بل كانت معركة حقيقية، لكن أساليب التفاوض في السياسة العامة تحتمل مثل هذه الدراما.
في الثمانينيات، حاولت أمريكا التوسط بين إسرائيل والعرب. وبعد مفاوضات شاقة، تشدد الإسرائيليون في مطالبهم، فانهارت المفاوضات. في المؤتمر الصحفي، بدا وزير الخارجية الأمريكي غاضبًا وقال لوزير الخارجية الإسرائيلي: “عليك مغادرة واشنطن، وعندما تكون جاهزًا للتفاوض، اتصل بي على الرقم…”، وذكر رقم هاتف حقيقي يتبع لوزارة الخارجية. رد عليه وزير الخارجية الإسرائيلي قائلًا: “وعندما تكونون مستعدين لتفهم مطالبنا، اتصلوا بنا على الرقم…”، وذكر رقم هاتف على الهواء مباشرة. بعد المؤتمر، تلقت وزارة الخارجية الأمريكية آلاف المكالمات من الجمهور على الرقم الصحيح، بينما اتضح أن الرقم الإسرائيلي كان خاطئًا.
عاد زيلينسكي إلى وطنه وأصدر تصريحًا يقول فيه ما معناه: “كلام زعل ما بتقصدو”، معلقًا على تصريحات ترامب ومعاملته. وبعد يومين، بدأت مفاوضات برعاية المملكة العربية السعودية. والآن، يجتمع الوفدان الأمريكي والأوكراني في “منبر جدة” لخوض مفاوضات جادة. “جدة” نفسها التي علق عليها نائب رئيس مجلس السيادة السوداني، السيد مالك عقار، بتعليق شهير حصد “ترند” وسائل التواصل الاجتماعي. لكن عقار، بعد تعليقه اللافت، لم يعد إلى طاولة التفاوض، بينما ظل الرئيس البرهان يكرر في لقاءاته الجماهيرية: “لن نذهب إلى جدة”، رغم أن أحدًا لم يسأله ما يستدعي هذه الإجابة.
المملكة العربية السعودية، إحدى دول مجموعة العشرين، أصبحت الآن مركز الحركة والسكون في عالم متغير بسرعة. استضافت مفاوضات أمريكية-روسية، وقمم المجموعتين العربية والإسلامية، ثم القمة العربية الأخيرة.
عادت أمريكا وأوكرانيا إلى طاولة المفاوضات في “منبر جدة”، ويقتربان بسرعة من اتفاق ينهي الحرب المدمرة التي دفع ثمنها العالم أجمع، وليس شعبا روسيا وأوكرانيا وحدهما.
أما هنا في السودان، فلا تزال “جدة” عنوان الخطب الحماسية المغلقة.
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.