عثمان ميرغني يكتب :الضجة حول مشروع الجزيرة

حديث المدينة الأحد 9 مارس 2025

تشهد وسائط التواصل الاجتماعي سجالاً متعدد الأطراف حول مآلات مشروع الجزيرة بعد الحرب. ورغم أن المشروع، و لسنوات طويلة، ظل يثير غبارا كثيفا بين الحين والآخر على سطح الإعلام، كان أشهرها في العام 2005 عندما بدأت إجراءات عاجلة لتغيير القانون الخاص بمشروع الجزيرة، و يعتبره الكثيرون مسؤول عن التدهور السريع الذي بدأ يعاني منه المشروع بعد ذلك.

وكل عام يظل مشروع الجزيرة مثار ضجة موسمية عندما تبدأ مشاكل الري في الاختناق، مما يهدد المحاصيل والمواسم الزراعية. وبعد الثورة، تسببت لجنة “إزالة التمكين” في فوضى بالمشروع، مما أدى إلى المزيد من الضربات الموجعة التي عجلت وتيرة تدهوره.

لكن الطامة الكبرى بدأت عملياً في ديسمبر 2023 بعدما دخلت قوات التمرد إلى مدينة مدني، عاصمة ولاية الجزيرة، ثم مارست على أهالي المشروع في المدن والقرى عذاباً وانتهاكات واسعة، وحرمتهم من زراعة أراضيهم التي تمد السودان كله بالمحاصيل الضرورية وتساهم في رفد الخزينة العامة بالأموال الصعبة من المحاصيل التي تصدر للأسواق العالمية.

كنا نظن – وبعض الظن ذكاء – أن مشروع الجزيرة بعد الحرب لن يكون كما كان قبلها، خاصة وأنه في هذا العام 2025 يحتفل بمرور مئة عام منذ تأسيسه في العام 1925.

كتبت كثيراً قبل أربع سنوات أطالب الحكومة وإدارة المشروع أن تبدأ منذ ذلك الوقت في إعداد تصورات لتطوير المشروع والانتقال به إلى مرحلة جديدة. بل وأكثر من ذلك، أفردت فصلاً خاصاً بمشروع الجزيرة في كتابي “السودان الجمهورية الثانية”، اقترحت فيه استنباط مستوى اتحادي إضافي تحت مسمى “المقاطعة” يجمع بين السلطة الإدارية والاقتصادية والمجتمعية. واقترحت أن تكون البداية بمشروع الجزيرة، ليصبح “مقاطعة الجزيرة” وفق هيكل إداري عصري متقدم، أوضحت تفاصيله في الكتاب.

من المحزن أن تكشف الضجة الإعلامية المثارة حالياً أن المشروع، بدلاً من الانطلاق نحو مستقبل مختلف، قد يرتد إلى أسوأ من الماضي الذي كابده، خاصة في العقود الأخيرة.
لا أحد يفكر خارج الصندوق. الأفكار المألوفة والمعروفة هي التي تكرس الفقر، بدلاً من التطلع إلى آفاق بعيدة في سماء الرفاهية والازدهار.

عودة مشروع الجزيرة للإدارة وفق المنهج القديم سيبقيه حزمة من الأزمات الموسمية، ويظل مشروعاً حكومياً يُدار بعقلية حكومية غير قادرة على النظر أبعد من منظور “دولة الأفندية” التي تحكم البلاد.

مشروع الجزيرة هو مؤشر لمستقبل السودان. إذا صلح المشروع، صلح مستقبل البلاد.


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *