حمّور زيادة يكتب : لا سودانَ جديداً من نيروبي

رغم استمرار خسارتها في الأرض، جمعت قوات الدعم السريع جماعةً من أعداء الأمس، ووقّعت معهم اتفاقاً سياسياً، ثمّ دستوراً للسودان. يبدو الاتفاق أشبه بمحاولة قفز إلى الأمام من واقع يواصل التراجع العسكري بلا توقّف،

وأضحت العاصمة الكينية نيروبي محطّةَ انتظار لإعلان تشكيل الحكومة. وهو إعلان وعد بعض المتحالفين أن يكون من داخل الخرطوم. لكنّ العاصمة التي دمّرتها الحرب، ونزح عنها جلّ أهلها، ما عادت في قبضة “الدعم السريع”. ويتقدّم الجيش نحو القصر الرئاسي المُحاصَر من كلّ الاتجاهات. لذلك تبدو وعود إعلان حكومة موازية من هناك مجرّد أمنيات. مكان إعلان الحكومة قد لا يكون هو الأزمة، بل الادّعاءات الكبيرة التي يعد بها قادة الحلف الجديد عن منظومة أسلحة دفاعية وطيرانٍ حربي، متّفق على جلبها بعد إعلان الحكومة. فالحكومة التي تحاول أن تحمل اسم “حكومة السلام”، تَعِد بجلب المزيد من الأسلحة لحرب تخوضها منذ عامَين، دمّرت البلد الهشّ وجعلته على حافّة التفكّك.

مع غياب قائد “الدعم السريع”، محمد حمدان دقلو، عن المشهد منذ أسابيع، وتصدّر شقيقَيه الخاضعَين لعقوبات دولية، لا تتغيّر حقيقة أن الحكومة المنتظرة هي حكومة “الدعم السريع”. ستقوم على بنادقها، وتحمل معها ذنب ما اقترف جنودها، لكنّها مسألة لا تقلق الباحثين عن “السودان الجديد”. وهو حلم آخر تعبث به مليشيا الدعم السريع، مثلما عبثت بشعارات التهميش والديمقراطية، فقد ظلّ حلم السودان الجديد، والقضاء على التهميش الممنهج، والحكم الديمقراطي، مسائلَ تسعى إليها القوى السياسية المدنية منذ استقلال السودان. واختارت مجموعات أن تحمل السلاح فيما عرف باسم “حركات الكفاح المسلّح”، للقضاء على التهميش، والوصول إلى حلم “السودان الجديد”. فكانت قوات الدعم السريع هي حامية الدولة بشكلها القديم، والمدافعة عن سلطة الجيش والحركة الإسلامية السودانية. ثمّ تصاعد طموح حميدتي وأسرته، فما عاد دور الحامي يكفيهم، فارتقوا مع قائد الجيش الفريق أول عبد الفتّاح البرهان قادةً للدولة. ثمّ، لما انهارت شراكتهم بحرب 15 إبريل (2023)، ذهب حميدتي يتسوّق أهدافاً لحربه.

اختارت الحركة الإسلامية منذ الأيام الأولى للقتال، على لسان أحد قادتها المطلوبين للمحكمة الجنائية الدولية، اسم “معركة الكرامة” لتطلقه على الحرب، وهو ما أصبح لاحقاً الاسم الرسمي الذي يستخدمه الجيش.

في المقابل اختارت “الدعم السريع” شعار “حماية الثورة، واستعادة الديمقراطية”، لكنّه شعار لم يصمد طويلاً، فتحوّل إلى “الحرب ضدّ الحركة الإسلامية” (الكيزان، بحسب الاسم الشعبي السوداني). وبخفّةٍ، حُوِّل مصطلح “الحركة الإسلامية” ليضم مكوّنات عرقية محدّدة تهدّدها قوات الدعم السريع المتراجعة، وتتوعّدها بالانتقام.

لن يأتي سودان جديد من نيروبي، بل من مزيد من عيوب السودان القديم وجرائمه ضدّ أهله ونفسه. وكما أدّت الحرب إلى موت السياسة في السودان، وجعلت البندقية الحاكم النهائي، فإن تحالف “الدعم السريع” سيقتل مشروع السودان الجديد، ولو بعد وقت ليس بالقليل. لكنّ حلفاء نيروبي لا يهتمّون، وعسكر بورتسودان يؤمنون بأنه أينما أمطرت سحابة الأحداث فإن خراج السلطة سيأتيهم. لذلك، يهرول الطرفان إلى مزيد من القتال، ومحاولة فرض شرعية سياسية.

ورغم تحذير جهات دولية عديدة من إعلان حكومة موازية، والتهديد بعدم الاعتراف بها، إلا أن اندفاع “الدعم السريع” إلى إعلانها ربّما يعني جرَّ مزيدٍ من التدخّلات الخارجية المباشرة. ورغم تناقص رقعة سيطرة الدعم السريع إلا أن تحالفه مع الحركة الشعبية لتحرير السودان، جناح عبد العزيز الحلو، قد يمكّن الحكومة الموازية من شراء بعض الوقت لمزيد من القتال، ممّا قد يستدعي تدخّلاً واضحاً من حلفاء الطرفَين لتعزيز نفوذ كلّ واحدة من الحكومتَين.

بهذا، لا يبدو مستقبل السودان مبشّراً إلا بمزيد من الحرب التي توشك أن تكمل عامها الثاني، ومع انشغال العالم ببقعٍ أكثر سخونة، يواصل البلد الأفريقي المنهك التفكّك، فانفصال 2011 لم يكن الأخير، كما لا يبدو إعلان حكومة موازية هو نهاية انقسامات البلد، الذي فشل في امتحان إدارة التنوّع والاختلاف.

نقلا عن: العربي الجديد

اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *