عثمان ميرغني يكتب :البداية من النهاية

حديث المدينة الثلاثاء 4 مارس 2025

من الحكمة أن نوجه سؤالًا واحدًا لكل السياسيين الذين يجتمعون وينفضون داخل وخارج السودان، الذين أعدوا مسودة الوثيقة السياسية من المكونات السياسية الداعمة للجيش، والقوى السياسية في الضفة الأخرى، مجموعة “صمود”، وغيرهما.
هذا السؤال البسيط يوضح مكمن الخلل في المشهد السياسي السوداني، ليس في الوقت الراهن فحسب، بل منذ أول حكومة وطنية في بداية عام 1954، قبل الاستقلال بعامين.
السؤال: ما هو الهدف النهائي للعملية السياسية؟

ولمزيد من الإيضاح: لنفترض أن العملية السياسية هي قطار متحرك يمر بعدة محطات. فما هي المحطة النهائية التي يقصدها القطار؟
هذا ليس سؤالًا فلسفيًا لزيادة الجدل الذي ينشغل به الأثير السوداني، السياسي والجماهيري، بل هو مقياس أساسي يبدأ منه حساب الرشد الذي ينبغي أن تدار به بلادنا.
أهمية هذا السؤال أنه يكشف إلى أي مدى يرتبط النشاط السياسي في بلادنا بالغايات والأهداف، بدلاً من التكتيك قصير المدى الذي لا يوصل القطار إلى محطته النهائية.

وددت لو كان في يدي أن أضع ورقة أمام كل سياسي سوداني مؤثر وأطلب إجابة واحدة من سطر واحد تحدد “المحطة النهائية”.

حسنًا، للمساعدة في فهم المقصود ومنح إضاءة تساعد في الإجابة:
من واقع الخطاب السياسي والأدبيات التي نشرتها المكونات السياسية (الأحزاب + التحالفات السياسية)، فإن “المحطة النهائية” هي “الانتخابات”.

الأحزاب التي تظن نفسها ضامنة لنتائج الانتخابات تتحدى في خطابها دائمًا وتستعجل بلوغ هذا الميقات، والأحزاب التي تدرك أن حظوظها الانتخابية ضئيلة تحاول ضمان انتخابات بمواصفات تضمن لها الفوز. ففي كل الأحوال، الانتخابات محطة نهائية لكل المجموع السياسي السوداني.

حسنًا، ثم ماذا بعد ذلك؟ ماذا بعد الانتخابات؟
بالضرورة، سيكون الفائز حاكمًا والآخر معارضا، هذا إذا صفت النفوس وتقبلت النتيجة.
وظل السؤال: ماذا بعد أن يحكم الحاكم، ويعارض المعارض؟
لن تجد إجابة، ليس لأنها صعبة، بل لأنها محرجة. ففي تجاربنا الانتخابية منذ أول انتخابات في نوفمبر 1953، لا تمثل نتيجة الانتخابات إلا بداية مرحلة صراع جديد، يجتهد الفائز في استخدام أدوات السلطة لإضعاف خصومه وضمان عودته في الانتخابات المقبلة. ويجتهد الآخرون في تعكير صفو الاستقرار وجعل الحكم أشبه بالمشي فوق المسامير لضمان فشل الحزب الحاكم وإضعاف فرصه في الفوز في الانتخابات المقبلة.
ولأن كل طرف يدرك نوايا الطرف الآخر، غالبًا ما تنتهي المرحلة بحزب يتخفى تحت جنح الظلام ويتآمر على قلب نظام الحكم بمن يستطيع إقناعهم من العسكريين، ثم سرعان ما ينقلب العسكريون الانقلابيون على الساسة الذين تآمروا معهم لينفردوا بالحكم.

لماذا تظل “الانتخابات” هي المحطة النهائية في منظور السياسي السوداني؟
لأن الفكر السياسي السوداني قوامه الصراع على السلطة، لا التنافس على خدمة المواطن.

وللأسف، في كثير من الأحيان، يساعد المواطن في تكريس هذا الواقع من خلال تشجيع الصراع السياسي بفهم وأسلوب المدرجات الشعبية في مباراة الهلال والمريخ.

قبل أن أجيب على السؤال “ما هي المحطة النهائية؟”، سأترك المجال لك عزيزي القارئ لتطرح السؤال على أي شخص من الفاعلين والنشطين سياسيًا. سؤال واحد:
ما هي المحطة النهائية التي يسعى لبلوغها؟


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *