حديث المدينة الإثنين 3 مارس 2025
قال الأستاذ جعفر حسن، الناطق الرسمي باسم تحالف “صمود”، في حديث لقناة الجزيرة مباشر: “نحن مستعدون للجلوس مع البرهان والتفاوض معه”، لكنه أضاف في البرنامج نفسه: “يجب نزع الشرعية عن جميع أطراف الحرب”.
من حيث المبدأ، الحديث عن التفاوض والسلام أمر مطلوب في حد ذاته، مهما بدا المشهد الراهن كئيبًا. ومن الحكمة أن يُرحَّب بأي طرف سياسي يُبدي رغبته في فتح أبواب التفاوض، بل ويُشجَّع على ذلك. لكن، بعد ما عاناه شعب السودان من خسائر بشرية ومادية فادحة، لم يعد مقبولًا أن يكون الحديث عن التفاوض مجرد “علاقات عامة” لتحسين الصورة الذهنية دون إظهار جدية حقيقية للسير في هذا المسار السلمي.
عندما قال جعفر حسن “نحن مستعدون”، يثور التساؤل: ما المقصود بـ”مستعدون”؟ هل هي مجرد نية حسنة على قاعدة “إنما الأعمال بالنيات”، أم أن الأمر لا يحتاج إلى شروط واضحة تحدد المستوى المطلوب لاستحقاق هذا الوصف؟ ما هو الاستعداد الفعلي الذي يمتلكه تحالف “صمود” للتفاوض؟
في مثل هذه الحالات، من الحكمة مراعاة أمرين دائمًا:
أولًا: أوضاع الوطن والمواطن الحالية لا تتحمل ترف الخطاب العام الذي لا يغير الواقع. كل كلمة في الملعب السياسي يجب أن تكون قابلة للتحول إلى فعل ملموس.
ثانيًا: التفاوض يتطلب حدًّا أدنى يثبت جدية النوايا في الوصول إلى اتفاق.
ثالثًا: أي بيان يُنشر في وسائل الإعلام يجب أن يُقاس بمعايير دقيقة لتحديد المسافة بين “الجد” و”اللعب”، على قول الشاعر أبي تمام.
حسنًا، بإمكان تحالف “صمود” أن يُثبت جديته بخطوة عملية على الأرض لتحقيق التفاوض الذي أعلنه جعفر حسن، وذلك بالاعتراف رسميًا بشرعية الجيش كممثل للسيادة السودانية بلا منازع. فالمفاوضات لا يمكن أن تكون حول شرعية الجيش ذاته. التصريحات التي تتحدث عن “نزع الشرعية” تعني عمليًا تحويل الجيش -وهو مؤسسة عمرها قرن من الزمان ورمز لسيادة البلاد- إلى مجرد قضية محل خلاف قابلة للاعتراف أو الإنكار.
والمثير للدهشة أن “الدعم السريع”، الذي تمرد على الجيش، لم يبن خطابه السياسي على فرضية “نزع الاعتراف بشرعية الجيش”. بل إنه يوجه اتهامات لقيادة الجيش بأنها سمحت لفئة سياسية بالتغول على قرار الجيش، مما يعني ضمنًا الاعتراف بشرعية الجيش كأصل، حتى من جانب المتمردين عليه.
من الحكمة أن يتقدم تحالف “صمود” ويطور تصريحات جعفر حسن إلى موقف يغير الواقع ويعيد ترسيم الملعب السياسي، بإعلان اعترافه الرسمي بأن الجيش السوداني هو ممثل شرعية الدولة ويحتكر القوة بلا منازع. وفي حال حدوث ذلك، يتعين البدء بخطوات عملية جادة لمفاوضات سياسية تشمل الجميع دون استثناء.
وسبق أن اقترحتُ في مقال سابق أن تُعقد هذه المفاوضات داخل الوطن، في منتجع “أركويت” مثلًا، مع توفير كل شروط النجاح. ويمكن للقوى السياسية أن تتفق على تشكيل مجلس تشريعي بمكونات قطاعية تشمل: القانونيين، الدبلوماسيين، المهنيين، أساتذة الجامعات، المغتربين، المعلمين، المزارعين والرعاة، القوات النظامية، القطاع السياسي، والمبدعين.
بهذا، تصبح كل القضايا الخلافية أجندة برلمانية تُناقش في بيئة رسمية تُنتج تشريعات ملزمة لا مجرد توصيات. الوضع في البلاد لم يعد يحتمل مطاولات السياسة، ومن الحكمة الوصول إلى نتائج سريعة.
نقلا عن موقع صحيفة التيار
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.