رابطة الأطباء السودانيين في قطر تنظّم السمبوزيوم الثاني للرعاية الصحية الأولية  

بقلم د. عبد الرحمن إبراهيم بابكر و د. أمجد إبراهيم سلمان

عقد السمبوزيوم السنوي الثاني لأطباء الرعاية الصحية الأولية السودانيين في قطر في يوم الجمعة الموافق 21 فبراير 2025 بفندق الشيراتون بالدوحة ، حيث جمع بين أطباء الرعاية الصحية الأولية  والخبراء من تخصصات مختلفة مثل الصحة العامة و الغدد الصماء لمناقشة التطورات في الرعاية الأولية ونهج الرعاية المرتكزة على المريض كمحور أساسي مستهدف من الخدمات الصحية. وقد وفر المؤتمر منصة للحوار حول المشهد المتغير و المتطور دوما لتقديم الرعاية الصحية.

شهد الحدث مشاركة متحدثين بارزين، من بينهم الدكتور مصطفى مختار من المملكة المتحدة والدكتورة أسيل العصيمي من المملكة العربية السعودية، إلى جانب الدكتور الطيب عبد العزيز، الدكتورة عزة الجيلي، الدكتورة مروة أبو زيد، والدكتور أمجد إبراهيم سلمان من قطر. وساهم كل متحدث بخبراته القيّمة في تسليط الضوء على التحديات والفرص في ممارسة الرعاية الأولية الحديثة.

تناولت الجلسات موضوعات هامة ، من بينها الاستشارات الطبية في عام 2025 قدمها الدكتور مصطفى مختار استشاري طب الأسرة ورئيس برنامج تدريب طب الأسرة  في منطقة كوفنتري بالمملكة المتحدة  ،  حيث قدم توضيحا لنهج جديد للاستشارات الطبية مبني على تطوير أسلوب التواصل مع المريض ، و أوضح د. مصطفى كيف أن الطرق التقليدية التي يتم بها تدريب الأطباء تركز على ملء الصفحات بإجابات من المرضى على أسئلة روتينية هدفها الأساسي تجميع المعلومات ، بدلاً من الاستماع و إتاحة الفرصة للمريض بأن يدلي بدلوه ، و الاكتفاء في المرحلة الأولى من التواصل مع المريض على الإيماءات و الهمهمات الإيجابية التي تمنح المريض الفرصة الكاملة للتعبير عما دفعه للقدوم إلى العيادة ، و أضاف قائلاً أن ذلك هو الأسلوب الاستقصائي الذي يفضي لمعرفة الأسباب العميقة لدوافع المريض للقدوم للعيادات ، و قد استدل الدكتور مصطفى على ذلك بالعديد من النظريات العلمية الحديثة التي قد تغير من طريقة إدارة الحوار بين المرضى و الأطباء.

أما الدكتورة عزة الجيلي استشارية الصحة العامة في مؤسسة الرعاية الصحية الأولية فقد قدمت محاضرة مبادئ تحديد الأولويات الاستراتيجية ، وعن الأدوات وتقنيات اجراء تقييم شامل لاحتياجات الصحة، إضافة إلى مناقشه العوائق والفجوات التي تؤثر على الوصول الى الرعاية الوقائية الأساسية.

 أيضا تم تسليط الضوء من قبل الدكتورة أسيل العصيمي استشارية طب الأسرة من المملكة العربية السعودية  على أهمية توحيد معايير الرعاية الأولية من خلال تطوير مواقع علمية دقيقة ، و قد  دللت على ذلك باستعراض موقع دليل ، و هو موقع تم تطويره في المملكة العربية السعودية يضم 5000 صفحة من المعلومات الموثقة و المبوبة عن طب الأسرة ، كما يحتوي الموقع على الموجهات العلمية لعلاج كل الأمراض الشائعة في طب الأسرة و الخيارات العلاجية لها ، أيضاً يحتوي الموقع على صفحات منقحة و منتقاة بعناية من النشرات العلمية الدورية المعنية بطب الأسرة ، و أوضحت الدكتورة أسيل أن الموقع يقدم محاضرات نصف شهرية حول طب الأسرة مما يوفر للبلدان العربية مصدراً موثوقاً و مجاناً لعلوم طب الأسرة و الجدير أن الموقع تم اعتماده من قبل وزارة الصحة السعودية كمصدر أساسي تتجمع في كل المعلومات الأساسية في طب الأسرة.

قام الدكتور الطيب عبد العزيز استشاري الغدد الصماء بمستشفى (ذا فيو) بتقديم محاضرة قيّمة عن مدى نجاعة و صلاحية فحص السكر التراكمي في علاج المرضى ، و أوضح أوجه القصور التي تعتري هذا الفحص ، مثل عجزه عن تقديم أرقام حقيقية آنية عن مستوى السكر عند مرضى الدم خاصة عند المصابين بمرض أنيميا البحر الأبيض المتوسط ، و أمراض نقل الدم ، كما بين أن الفحص يحلل معلومات تاريخية عن المريض و هي التسعون يوما الماضية من الفحص بينما يعجز عن وضع تصور مستقبلي بناء على القراءات الحالية لمستوى السكر عند المريض ، و خلص لنتيجة أن لكل مريض سكر تراكمي خاص به ، يعتمد على حالته الصحية و الأمراض المصاحبة ، كما أوضح أن الأجهزة الحديثة التي تقيس السكر يومياً و عدة مرات تقدم حلولاً موثوق بها و لكن غلاءها النسبي جعل النظم الصحية تركز على توفير هذه الأجهزة لأصحاب النوع الأول من السكري.

قدم الدكتور أمجد إبراهيم سلمان استشاري طب الأسرة بمؤسسة الرعاية الصحية الأولية في قطر محاضرة عن أهمية علاج الكوليسترول عند مرضى السكري ، ووضح أن هناك قصوراً كبيراً في هذه المسألة ، لصعوبة أقناع المرضى بأهمية إنقاص نسب الكوليسترول الضار عند مرضى السكري ، لأن هذا الأخير يسبب في تغيير الخصائص البيو كيميائية للكوليسترول ما يجعله أكثر التصاقا بالشرايين ما يجعل فرصة الإصابة بالجلطات الدماغية و القلبية أمراً وارداً و أكثر شيوعا عن مرضى السكري بالمقارنة بغيره من الأمراض المزمنة ، كما أوضح أن هناك اختلافاته جينية و عرقية بين الشعوب المختلفة في هذا الخصوص ، وتتباين استجابة الناس للأدوية الشائعة مثل الأتورفاستاتين (ليبيتور) و الروسوفاستاتين (الكريستور) حسب اصولهم الجينية فبينما يستجيب سكان جنوب شرق آسيا بصورة جيدة لهذه الأدوية  نجد أن الأوروبيين يحتاجون لجرعات مضاعفة من هذه العقاقير الهامة للوصول إلى نفس النتائج العلاجية ، و لكن من ناحية أخرى فإن نسب المرضى المصابين بارتفاع معدلات الكوليسترول في أوروبا أقل منها بكثير من دول الشرق الأوسط و جنوب شرق آسيا.

قدمت الدكتورة مروة أبوزيد محاضرة ضافية عن علاقة الإنسان بمحيطه البيئي و الحيواني، و أوضحت مفهوم الصحة الواحدة التي تشمل كل المكونات الطبيعية حول الإنسان ، و ذكرت إن الاصحاح البيئي صار يلعب دوراً أساسياً في النتائج العلاجية للمرضى ، لذا فلقد لاحظنا أن الكثير من الأمراض صارت تنتقل من الحيوانات إلى البشر مثل الأنواع المختلفة من الفيروسات ، و كيف أن التغييرات البيئية مؤخراً صارت تؤثر على حيوات البشر و الامراض التي يصابون بها ، و كلنا عايشنا جائحة الكورونا و تأثيرها الكبير على حياة الناس و الاقتصاد ، و قبل وقت ليس بالبعيد استشرى مرض الحمى النزفية (الإيبولا) في افريقيا و كاد أن ينتشر في العالم أيضاً.

اختتم اللقاء الدكتور مصطفى مختار ، بمحاضرة ألمعية بعنوان الفشل بنجاح ، و قد كانت محاضرة تفاعلية بامتياز عبر برنامج يتيح للحضور الإجابة المباشرة عبر شاشة المحاضرات ما شد اهتمام الحضور للمحتوى بصورة سلسة ، و ابتدر د. مصطفى محاضرته بسؤال للحضور عمن لم يفشل في أي مشروع علمي أو تجاري أو اجتماعي في حياته ، و بالطبع كان الفشل في بعض مناحي الحياة هو السمة المشتركة لكل الحضور ، و من هناك مضى محدثنا اللبق في شرح تعقيدات النفس الإنسانية في التعامل مع الفشل ، و ميل الإنسان للوم الآخرين على عدم نجاحه و استدل على مقولة الطالب عندما يعجز عن تحقيق نجاح في امتحان معين بقوله ” لقد سقّطوني في الامتحان” و في ذلك دليل على الهروب من المسئولية الشخصية عن رسوبه ، بينما لو نجح نفس الطالب في الامتحان فإن إجابته المتوقعة ستكون ” لقد نجحت في الامتحان” و ليس لقد “نجّحوني في الامتحان” ما يعكس ازدواجية المعايير الشخصية في التعامل مع الفشل ، و مضى د. مصطفى قدماً في تحليل تلك الثنائيات التي وضحت للحضور بجلاء أن آليات التعامل الإيجابي مع تجارب الفشل هي التي تخلق النجاح في نهاية المطاف ، و ما النجاح إلا التعرف على قصور المرء الشخصي و تعلمه المتواصل من تجاربه الشخصية السلبية و تجارب الآخرين حوله.

أمّ السمبوزيوم السنوي لأطباء الأسرة حوالي 66 طبيب و طبيبة و عدد مقدّر من المتطوعين الذي كان لوجودهم الإيجابي الأثر الجميل في تذليل الصعوبات و توثيق الجلسات و تسجيل الحضور بصورة حضارية و دقيقة ، أيضاً ساهم الوجود المتنوع للأطباء من مختلف التخصصات الأخرى في إثراء النقاش حول الموضوعات المختلفة التي طرحها السمبوزيوم.

من المقترحات الجميلة التي طرحها المجتمعون، تكوين علاقة تنسيق مع أحد المراكز الصحيّة في السودان لدعمه تقنياً و معلوماتياً لمدة طويلة حتى يصبح مركزاً صحياً نموذجياً يكون مركزاً للخبرات و التدريب ، كما طرح الدكتور محمد هاشم محمود فكرة إقامة محاضرات نوعية نصف شهرية عبر تطبيق الزووم ما يعمّق المعرفة بين الزملاء و يشجعهم على الحوار البنّاء.

بالطبع لا يمكن الحديث عن نجاح هذه التظاهرة العلمية دون توجيه الشكر الجزيل للجنة العلمية التي قامت من وراء الكواليس بعمل دؤوب منذ سبتمبر 2024 و على رأسها السكرتير الأكاديمي للرابطة د. خالد محمود و الدكتور أمجد إبراهيم سلمان و الدكتورة عزة الجيلي و بالطبع الشكر الجزيل للجنة التنفيذية لرابطة الأطباء السودانيين في قطر ، على دعمها اللا محدود في نشر المعرفة بين الأعضاء ، و التوعية و التنوير و الأيام الصحية للسودانيين في قطر أو دعم الزملاء و المرافق الصحية في السودان. 

27 فبراير 2025


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *