عثمان ميرغني يكتب :ولادة الأجندة المتدحرجة

حديث المدينة الأربعاء 19 فبراير 2025
في صباح السبت 15 أبريل 2023، عند لحظة إشعال فتيل الحرب، ظهر حميدتي في إحدى الفضائيات بصوته، وهو يردد: “يسلم بس.. نستلموا وكل شيء يتوقف.”
الضمير هنا يعود لقائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان، وأكمل حميدتي بقية حيثيات الاتهام، فقال إن ما يحدث هو تخطيط من علي كرتي وأسامة عبدالله، من يمثلون أجندة “الكيزان”.

بعدها، على مدى عدة أيام، تكرر المطلب ذاته: “يطلع من البدروم ويسلم بس.. نستلموا وكل شيء يقيف”.
لكن البرهان لم يسلم نفسه، وخاض المعركة بالشراسة ذاتها التي وجهت بنادقها إليه.

هنا تحركت الأجندة خطوة إلى الأمام.
“دولة 56.. الظالمة لازم تنتهي.. الأشاوس حا يفككوها حتة حتة”.
واستمرت الحرب.

تدحرجت الأجندة والشعارات: “التهميش.. والمركز يتمتع بكل شيء.. والولايات تفتقر لكل شيء”.
و “اتنين بس.. يا نصر يا شهادة”.
لكن تدحرج الأجندة بدا غير كافٍ لتوصيف الحالة مع تطور المعارك واتساع الرقعة الجغرافية، ودخول المسيرات والصواريخ الموجهة.

هنا ظهرت “القضية”..!!
“اتنين بس.. يا نصر يا شهادة”.
“القضية” معرفة بالألف واللام، تكفي عنوانًا لأي أجندة، لا يشترط أن تكون معروفة أو محددة.. المهم لابد من “القضية”.

و “يا نصر أو شهادة.. من أجل القضية”.

وظهر قائد الدعم السريع في مدني، قبل أن يستردها الجيش بيوم واحد، يجلس على سرير ويضع أمامه “القرنيت”، ويدلي بخطبة طويلة مرتجلة يؤكد فيها أن “القضية” لا تحتمل .. “يا نصر يا شهادة”.
وليس باستطاعة أحد أن يسأل: ما هي “القضية”؟ وإلا فضح جهله بما يضع روحه قربانًا من أجلها.

ثم مرت تسعة أشهر كافية لتحمل “القضية” وتضع مولودًا أنثى، “الحكومة”.
“حكومة منفى”؟ لا، الكلمة قد تبدو منفرة، فيها غربة وشجن.
“حكومة شرعية”؟ لا، فهي أشبه بمن يضيف لاسم طفلته “إنسانية” ليثبت نسبتها للبشر.
“حكومة موازية”؟ لا، فهذا اعتراف بحكومة أخرى في بورتسودان.
“حكومة لنزع الشرعية”؟ لا، فشرعيتها ليست مسلوبة من أخرى.
“حكومة السلام”.. نعم، رنانة أكثر، موحية، فيها رسالة للعالم الجميل.

وهكذا تتدحرج الأجندة، مع تطاول عمر الحرب.
وغدًا سيثبت أن “الحكومة” هي “عمدة خالي أطيان”، وتستمر الدحرجة إلى أجندة جديدة قد تكون “الدولة” بدلاً من “الحكومة”.
“دولة العدالة والسلام”؟ اسم أكثر رنّينًا وجمالًا.

إن “دولة العدالة والسلام” تفرض معطيات جديدة:
“لن ننساكم”، شعار سيرتفع لمواساة الغرباء الذين ساهموا في ثورة “الهامش”، لكنهم كانوا ضيوفًا على “الهامش” لا أكثر.
لكل هؤلاء؛ “لن ننساكم”، سنساعدكم على الحصول على “دولتكم” أيضًا في الشمالية ونهر النيل، ولن ننسى الشرق، سنساعده أيضًا على الحصول على دولته، والنيل الأزرق وسنار، وكردفان والنيل الأبيض. ولتذهب الخرطوم إلى الجحيم.

وتستمر الأجندة في التدحرج..

ويبقى السؤال: متى تتوقف الصخرة عن التدحرج؟
أليس لهذا السودان أب وأم، وأسرة تحافظ عليه حيًّا كريمًا، يتنفس ويحلم؟


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *