عثمان ميرغني يكتب : تفويض الجيش.. لماذا؟

حديث المدينة السبت 15 فبراير 2025
يبدو غريبًا أن يطالب بعض اليائسين بتولي الجيش السلطة السيادية والتنفيذية بعد الحرب، ويحددون لذلك ميقاتًا خمس سنوات مثلاً، كأنما السلطة قابلة للرد.

إذا كان المدنيون قد تطوعوا لمساعدة الجيش في العمليات العسكرية وحققوا نجاحًا ملحوظًا، فكيف يتهربون من المهمة التي يفترض أن تكون من صميم أعبائهم المدنية؟ لماذا يحملون الجيش – فوق مهامه الجسيمة – مزيدًا من الواجبات والعمل الشاق؟

أدرك أن البعض بات محبطًا من الأداء الحزبي المتراخي الذي أوقع البلاد في المهالك. ومن فرط اليأس من أن تنصلح حال الأحزاب لتقود البلاد بقوة ورشد، ينظر الكثيرون إلى الجيش باعتباره الملجأ الذي لا مناص منه لحراسة مصالح وأمن البلاد والشعب. ولكن…

من الممكن الجمع بين فكرتين توفران نوعًا من التكامل في دور المؤسسة العسكرية والقوات النظامية عمومًا، وأداء المدنيين لمهامهم الدستورية بمنتهى السلاسة واليسر دون تضارب يفضي إلى ما تكرر في تاريخنا السياسي كثيرًا… الانقلابات العسكرية.

الفكرة تعتمد على مبدأ ترسيم دور دستوري للعلاقة بين الجيش والحكم، ببساطة: أن لا يشارك الجيش في الحكم، لكنه يحمي الحكم من الفوضى والتهديدات، كما يحمي الشعب من أن يكون الحكم ثغرة يدفع ثمنها الوطن والمواطن كما هو الحال في حرب 15 أبريل 2023.

بعبارة أخرى، ألا يحكم الجيش، ولكن يحمل في يده بطاقة فيتو على كل ما يهدد سلامة البلاد جراء الممارسة السياسية غير الرشيدة واستسهال العبث بالأمن القومي من جانب الحكام المدنيين حيثما كان موقعهم في السلطة، سواء كانت حكومة أو معارضة.

هذه الفكرة تتحقق عمليًا باستحداث المجلس الأعلى للقوات المسلحة – على غرار ما قاله رئيس مجلس السيادة البرهان في خطابه الشهير مساء 4 يوليو 2022.
المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يتدخل في الحكم، لكنه يفرض على قيادة الدولة الالتزام بالدستور والقانون، وربما يكون نموذجًا قريب الشبه بالتجربة التركية السابقة قبل الانقلاب.

مجمل الفكرة هي إخضاع البلاد للالتزام الصارم بالدستور والقانون. فمنذ استقلال السودان وحتى يومنا هذا، ظلت الحكومات دائمًا أكبر خرق للقانون، بل يزداد قدر المسؤول بقدر تعاليه على القانون. كأني بالقانون قد وُجد ليقهر المواطن المسكين الذي لا سند له ولا ظهر.

الجيش مؤتمن على حراسة البلاد من العدوان الخارجي ومن نزوات الشيطان السياسي الداخلي، ولا أقول هذا الكلام جزافًا، بل لعلمي وإدراكي أن قوام المؤسسة العسكرية وعصبها هو صرامة التعليمات واتباعها. وهذا هو الأمر الذي ظلت تفتقده الدولة السودانية منذ نشأتها.

وعليه، بالإمكان الآن استعادة العمل بدستور 2005 مع تعديلات طفيفة وتعديل قانون القوات المسلحة لاستحداث المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وقد سبق للسودان أن أسس هذا المجلس أكثر من مرة، لكن مع تفويضه دستوريًا بما يجعله حارسًا للدستور وقادرًا على فرض الالتزام به، وطبعا التفصيل في ذلك من مهام القانونيين.

والأجدر أن يُلغى مجلس السيادة ويُستعاض عنه بمنصب رئيس الجمهورية، الذي يمكن أن يكون منفردًا أو مضافًا إليه منصب رئيس الوزراء لمزيد من التخصص.

من الحكمة أن نرسم مستقبل بلادنا بمنتهى الحرص والحذر حتى لا نكرر أخطاءنا.

نقلا عن .. موقع صحيفة التيار


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *