ما بين نشوة الانتصارات المرحلية واحلام العقل الباطن لقيادة البلاد ظهر الفريق البرهان يتأبط خطابه الذي شغل الناس وإن كنت اظنه فيه شيء من استعجال النتائج من حيث التوقيت وعلى كل يظل هذا الخطاب مهم جداً الوقوف عليه لما فيه من التصريح المفتعل المقصود والتلميح بإشارات محملة بأكثر مما تحتمل
الخطاب من حيث الشكل والبناء جيد لأنه حاول تمرير تطمينات للشعب السوداني حول ما يدور في المجالس من تبعية قرار الجيش وارتهانها للحركة الإسلامية ممثلة في حزب المؤتمر الوطني المحلول وأذرعه الأخطبوطية المتعددة وبمسمياتها المختلفة والمنخرطة في الحرب بجانب القوات المسلحة وقد كثر الحديث حول ان مركز الفعل الحقيقي هو بيد التيار الإسلامي الفاعل على الأرض وانهم هم من يقرر مستقبل القرار السياسي للبلاد بما لهم من قوة فعلية وجَّهت خيار الحرب وبذلت دونه التضحيات لأنه هو آخر باب موارب يسهل من خلاله الولوج الى السلطة.
وإن كانت عتباته موشحة بالدماء فهذا لا يهم ما دام أنه طوق النجاة بالنسبة لهم بعد ان ذرفوا الدموع على أندلسهم الضائع وفردوسهم المفقود لذلك فهي فرصة تاريخية لا يمكن التفريط فيها ومهما يكن من ثمن وكيفما تكون الوسيلة لأن الغاية مقدسة بالنسبة لهم ولمشروعهم الغائب الحاضر في ذاكرة اللاوعي وفي عمق إحساس تلازمية الفشل وعشق السلطة وهي تاج الغايات وبيت القصيد ولكن كانت الصدمة في خطاب البرهان اكبر من الاحتمال بعد ان عبَّدوا طريق السلطة بالدماء وراهنوا بأن لا يعلو صوت فوق صوتهم وأن غداً لناظره قريب وانهم عائدون لا محال..
الصدمة كانت قاضية محطمة حيث اكد البرهان بأنه لن يسمح بالتربح والتكسب على حساب دماء واشلاء الشعب والحديث موجه بشكل مباشر الى حزب المؤتمر الوطني المحلول ولكي يضيف شيء من التوازن ذكر قحت (تنسيقية تقدم) بأنهم أيضا سيكونو في خانة الأعداء ما دام انهم في الجانب الآخر ولكن وصف بأن هناك من يقف في صف المعارضة ولكنهم وطنيين وإن اختلفوا معنا. اهم ما يميز خطاب البرهان وهو إرسال رسائل متعددة تصريحاً وتلميحاً للحلفاء والغرماء في آن واحد وكأنه قد بدأ يرى ملامح مرحلة ما بعد الحرب قد اوشكت ان تكون واقعاً الشيء الذي قاده الى هذا الخطاب حيث كان بمثابة الحجر الذي حركة بركة الساكن السياسي وبكل تقاطعاتها حيث غاب الخطاب السياسي منذ فترة وسيطر خطاب الحرب طيلة الفترة الماضية..
وقد كانت لغة الجسد في خطاب البرهان مختلفة بعض الشيء مما كانت عليه وربما تحسن وضعيته على الأرض اسهم في ذلك حيث بدأ يتقمص دور القائد الملهم لفترة ما بعد الحرب ولربما اثر عليه خطاب الشرع الرئيس السوري عن طريق الإسقاط او عن طريق تبني المنهج والطريقة وعلى كل فقد وصلت اشارات الخطاب للفاعليين الدوليين والإقليميين في الشأن السوداني وكان مضمونها انه رجل المرحلة وغير منقاد لتيار مهما كان دوره المؤثر في الحرب وانه لن يسمح بإرتهان قرار الجيش لأي جهة.
هذا علي مستوى لغة الخطاب المبذول لوزن كفتي الأزمة السودانية وبأطرافها المحليين والإقليميين والدوليين.. ومع كل ذلك يظل إنزعاج التيار الإسلامى لا تخطئه العين ولا يحتاج الى كثير حصافة فلن يقبل أن يجني ثمار قطفه غيره حين الحصاد هذا من الناحية العملية والواقعية ومن الناحية السياسية البرهان يحتاج الى غطاء سياسي حتى يحقق احلامه في السلطة فلن يجد غير هذا التيار كسند ليس حباً فيه ولكنهم اصحاب مصلحة مشتركة تجمعهم وإن تمت إدارتها بمثل هذا التدليس والمكر المرحلي وفقاً لمعطيات الظروف المحيطة بالمشهد السياسي بفراغه العريض وتعقيداته الكثيرة.. عليه فإن هذه زوبعة او عاصفة رعدية عابرة بينهم ويمكن أن يُفهم من خلالها مستوى ردة الفعل للراي العالمي والمحلي وكيفية التعامل معه في قادم الأيام.. وقد كانت هناك تجارب مماثلة للبرهان في هذا الشأن بإختلافاته المفتعلة مع التيار الإسلامي ثم سرعان ما يعود الى السباحة في تيار المياه الدافئة من جديد وبأكثر حيوية وإنسجام معهم
تطرق الخطاب لبعض المفاصل في شان الأزمة السودانية منها تكوين الحكومة ومجلس الوزراء من قبل مستقلين تكنوقراط وهذا هو القديم الجديد المُستهلك منذ انقلابه ولم يستطيع تجاوز مرحلة التصريحات بعيد عن دائرة الفعل ثم تناول موضوع الوثيقة الدستورية وكيفية معالجة بعض البنود وفق ما يحتاجه في هذه المرحلة وهذا من اعجب العجائب أن تتمسك بهذه الوثيقة التي وضعت لمرحلة انتقال مدني ديمقراطي لا يتوافق مع مرحلة الحرب مع تسليمنا بعيوبها الكثيرة في حينها وهذا شيء فيه كثير من الافتعال يتم تعديله بمداد الهوى والغرض
ومضة :
هي روح مُتعبة بفوضى الجسد مُنهكة بفكر العقل ووعي السؤال
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.