حديث المدينة الأحد 2 فبراير 2025 ..الوجه الآخر .. الأخطر

عقمان ميرغني 

في خطابه الأخير.. كرر حميدتي عبارة قالها في مناسبة سابقة.. ولم ينتبه الكثيرون لمدلولاتها الخطيرة.. طلب من جنوده أن يتأكدوا من “الوضوء” قبل كل معركة.. وطبعا لو كان يقصد توجيه أمر مباشر..

لكان الأجدر أن يأتي عبر التعليمات العسكرية الدورية العادية لتصل لكل المقاتلين معه.. لكن صدور مثل هذا الأمر عبر الاعلام له دلالة أخرى..
معلوم أن الصلاة نفسها في أوقات الحـ؛رب تتحول إلى هيئة أخرى تناسب الأوضاع الميدانية.. و يطلق عليها “صلاة الخوف”.. وتفتح تقديرات واسعة تسمح للمرء أن يؤديها بأية طريقة تتلاءم مع وضعه الظرفي.. فلماذا هنا الإصرار على الوضوء، وبالتحديد قبل المعركة؟
الإجابة الأقرب؛ هي أن مدلول التوجيه مقصود به الشعب وليس المقاتلين.. خطاب تعبوي تعويضي يستهدف ترقية الصورة الذهنية والأخلاقية عامة، و بالتحديد أكثر الوجه الديني خاصة.. لتعويض مجمل الممارسة من بدايتها كونها تمردا على القوات المسلحة التي أستأمنتها على مقار رسمية فاستولت عليها و تخوض الآن حـ؛ربا ضروس ضدها.. و سلسلة الانتهاكات الواسعة التي رصدتها المنظمات الدولية و أدانتها الأمم المتحدة والدول الكبرى بل وصلت حد توجيه تهمة الإبادة الجماعية وتخويل المحكمة الجنائية الدولية التعامل معها.. وهي أقصى ما هو متاح في السجل الجنائي المتصل بالحـ؛روب.. يجعل من أية محاولات لتحسين الصورة الذهنية أمر في حكم المستحيل.. حاصة لللشعب الذي ظل يهرب من كل منطقة يدخلها التمرد. ويعود وبسرعة لكل منطقة يستردها الجيش.. بل ويستقبل المواطنون الجيش بالفرح لحد البكاء.
في تقديري؛ الخطاب الديني في سياق هذا الوضع خطير للغاية ليس في تأثيره المباشر بل في استخدامه من أسلحة المعركة.
الشعب السوداني بالاجماع يوقر الدين ويحترم شعائره حتى الذين قد لا يلتزمون بها..

و عندما تبث أية شعارات ذات مدلولات دينية فهي محاولة لجعل الدين هو المعركة.. مفترق الطرق الذي ينقسم عليه الناس و تتحول المعارك من عسكرية إلى دينية مجتمعية بأعلى درجات التغابن والكراهية.
صحيح غالبية المواطنين في مستوى فهم يقيهم من الوقوع في براثن مثل هذا الاستغلال للدين..

لكن الافراط في مثل هذه الخطاب وتكرار الطرق عليه بمختلف الأساليب.. مهما كان في النهاية قد يخلف أثرا ولو قليلا لكنه قابل للنمو ليشكل تهديدا مجتمعيا حقيقيا كما رأينا في البلاد الأخرى..
في مقاطع الفيديو الكثيرة التي يبثها التمرد لفت نظري دائما استخدام عبارة “اثنين بس.. يا نصر يا شهادة”..

و يتطوع البعض ليشرح الأمر أكثر فيستخدم عبارة “الدفاع عن القضية”.. وكلمة “القضية” معرفة بالألف و اللام لتحاشي تحديدها..
“الشهادة ” الواردة في سياق هذا الهتاف.. هي المدلول الديني لمن يقتل في سبيل الوطن والدين… ولكن أين الدين هنا؟ بل أين هذه القضية التي يشار إليها بـ”الـ” .
خلاصة الأمر أن الشعارات التي تحاول أن تستجير بالغطاء الديني من جانب التمرد تزيد خطاياه.. لأنها تحمل استخفافا بمعاني الدين الذي يحرم سفك الدماء.


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.