عثمان ميرغني
طوال مسيرتي الصحفية، ظللت في يوم 14 أغسطس من كل عام، بمناسبة “عيد الجيش”، أكتب في عمود “حديث المدينة” عن الجيش السوداني، من مختلف المداخل والقضايا التي ترتبط به.
كثيرون كانوا يرون في هذا تقليدًا غريبًا لم يتعودوا عليه؛ فالجيش لا يذكره أحد إلا عند الطلب، في الملمات الخطيرة، كما حدث بعد 15 أبريل 2023.
العمود التالي كتبته في عيد الجيش الـ62 في 14 أغسطس 2016.
حديث المدينة الأحد 14 أغسطس 2016
فلتختلف على أي شيء… إلا “جيشنا”!
منذ أغسطس عام 1955، وبالتحديد يوم انطلقت أول شرارة للتمرد في مدينة “توريت” بجنوب السودان، ظل الجيش السوداني يحمل بندقيته على كتفه لا يكاد يخرج من معركة حتى تنفتح أمامه أبواب معركة أخرى.
على مدى خمسة عقود، ظل يقاتل في أحراش الجنوب في حرب لم تضع أوزارها إلا بعد توقيع اتفاقية نيفاشا في العام 2005، وكانت حينها حرب دارفور تدخل عامها الثاني. وقبل أن يخمد حريق دارفور، انفتحت جبهات النيل الأزرق وجنوب كردفان، ولا تزال.
خلال هذه السيرة الذاتية الطويلة، قدم جيشنا آلافًا من ضباطه وجنوده في مختلف العهود والمواقع. ورغم تقلب العهود السياسية، ظل “جيشنا” مؤسسة متماسكة صلبة لا تنثني أو تتفتت. ولهذا فقط ظلت بلادنا عصية على الفوضى كمثل التي اجتاحت دولًا أخرى كثيرة.
.كلمة السر في استقرار وأمن أي دولة هو “الجيش”، أن يظل متماسكًا لا تخترقه الخوارق الداخلية أو الأجنبية. ولهذا فليت المتفاوضين في العاصمة الإثيوبية “أديس أبابا” يدركون أن “جيشنا” لا يجب أن يكون بندًا في أي سجال أو خلاف سياسي.
نتمنى أن تضع الحرب أوزارها في كل مناطق السودان، لكن دون أن نضع “جيشنا” على مائدة أي تفاوض. فمع كل التقلبات والعهود السياسية التي مرت على السودان منذ الاستقلال، تحمل “جيشنا” أخطاء الساسة الفادحة. قدم تضحيات ضخمة لإصلاح ما خربته السياسة وكادت تعصف به بلادنا لو لا “جيشنا”.
اليوم نحن في أمس الحاجة لندرك أن ما للسياسة، للسياسة… وما للجيش، للجيش. ولا يجب أن يقرر في “فنيات” المؤسسة العسكرية من هم خارجها. فالإرث العظيم المتوارث داخل هذه المؤسسة كافٍ ليجعلها تنمو وتتطور وتواكب دون الحاجة لتدخلات السياسة والساسة.
اليوم وفي الذكرى الـ(62) لـ”جيشنا”، يجب أن يدرك الجميع أن خبرة كل هذه السنوات تكفي لصيانة وحدة السودان وحراسته من غوائل الدهر. لكن علينا نحن يقع عبء أن نحمي ظهر “جيشنا”… نحميه بأن لا نجعله عرضة للرياح السياسية أو في مجرى سيول خلافتنا المزمنة.
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.