حديث المدينة الخميس 30 يناير 2025 ..يوم القصر.. يوم النصر

عثمان ميرغني 

رائعة الفنان محمد الأمين الخالدة “الملحمة” تبلغ ذروة الانفعال عندما تغني المجموعة:
(خطانا تسير في درب النصر…
هتافنا يدوي يهز القصر..)

القصر الجمهوري هو المكان الذي ارتفع فيه علم السودان خفاقًا في صباح الأول من يناير 1956، معلنًا الميلاد الثاني للسودان المستقل.
رمزية السيادة تجعل القصر الجمهوري ليس مجرد مبنى أو موقع رسمي يسترده الجيش في سياق انتصاراته المدوية، بل هو إعلان رسمي لاستعادة العاصمة الخرطوم وتمكين أجهزة الحكم من العودة إلى حيث رمز السيادة القومية.

القصر الجمهوري سيكون في غضون ساعات، إن لم يكن أكثر قليلاً، في يد الجيش السوداني. وهنا تأتي اللحظة الحاسمة التي تتطلب أن يُنظر إليها الإعلام بمنتهى الدقة والحساسية: لحظة إعلان عودة السيادة للقصر الجمهوري.

في الأيام الماضية، وفي زخم انتصارات الجيش، كان الإعلام شغوفًا بالبحث عن الخبر والصورة التي تؤكد هذه البطولات. وكانت الكاميرات، بشتى الطرق، تنقل للمتابعين ما يدور، وتبث الرسائل التي يبعثها مختلف القادة العسكريون وغيرهم من قلب الحدث وفي عمق المواقع العسكرية مثل سلاح الإشارة والقيادة العامة للقوات المسلحة. وحرص البعض على تسجيل اللحظات التاريخية من المواقع أو مع القيادات الرفيعة للجيش. وكل ذلك مفهوم في سياق الفرحة الكبرى بالنصر الكبير.

لكن القصر الجمهوري… أمر مختلف تمامًا.

محاولة استباق الجيش في الظهور على دَرَج القصر الجمهوري أو أمام بواباته أو داخل أسواره أو في مكاتبه السيادية أمر لا يجب أن يُترك للعفوية ومبدأ (في ذلك فليتنافس المتنافسون).. هنا الوضع جد مختلف وحساس.

من المهم أن يصمم إعلام الجيش صورة واضحة للطريقة التي يُعلن بها من داخل القصر الجمهوري عودته لحضن الوطن.
من يعلن ذلك؟ كيف؟ وفي أي موقع في القصر؟ من يقف بجانبه؟ وما هي الكلمات الأولى، المختصرة طبعًا، التي يُلقيها لتعلن النصر المبين؟

الإعلان عن عودة القصر الجمهوري هو في حد ذاته معركة أخرى في سياق مختلف، وليست أية معركة. لها دلالات عميقة وبعيدة المدى، خاصة أن كثيرًا من الفضائيات ستجعل منها وسمًا دائمًا في نشراتها الإخبارية، تعيده وتكرره ربما لسنوات قادمة.

حتى الملبس والمظهر هنا مهم للغاية. ليس حكيما أن يظهر شاب يرتدي “الكوفية” الفلسطينية ليعلن النصر من داخل القصر. الإعلام عمل مدروس وليس مجرد حماس وارتجال ورسائل هتافية.

حتى لو أعلن النصر من داخل القصر جندي في أدنى درجة من سلم الجيش السوداني، فإن ذلك عمل له أبعاده القومية ودلالة على أن القوات المسلحة السودانية ستكون هي القوة العسكرية الوحيدة التي تحرس البلاد. وينتهي عهد التعددية الفوضوية التي سادت في الماضي.

الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية يجب أن يستعد من الآن ويصدر أوامره المشددة: لا كاميرات سوى كاميرات الجيش، ولا إعلان سوى من الجيش، بالطريقة التي يحددها إعلام الجيش.

تقديرنا العميق لكل من دعم الجيش في مهامه المقدسة، لكن التقدير سيكون أكبر عندما لا ينافس الجيش في الصعود لمنصة التتويج أحد.


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *