عثمان ميرغني
كتبت هذا العمود قبل أربع سنوات، انقضت الآن، ووصلنا إلى عام 2025 الذي كنت أفرح أن يشهد الميلاد الثاني لمشروع الجزيرة.
والآن مع أفراح مدني وعودة ولاية الجزيرة التدريجية إلى حضن الوطن، من الحكمة أن نفكر بمثل هذا النهج: أن نصنع مستقبلاً مشرقًا بدلاً من البكاء على لبن الماضي المسكوب.
إعلان “مقاطعة الجزيرة”!
أربع سنوات فقط، وتكتمل مئة سنة من عمر “مشروع الجزيرة” في السودان بإذن الله. ألا تستحق المناسبة أن تكون ميقاتًا لإكمال تنفيذ خطة جريئة وطموحة لنهضة تقفز بالمشروع إلى آفاق جديدة؟
مساحة مشروع الجزيرة أكثر من تسعة آلاف كيلومتر مربع (تقريبًا تعادل مساحة دولة لبنان)، في قلب السودان بين النيلين، والنظرة الطموحة للمستقبل تتجاوز مجرد المنافع المباشرة في المحاصيل التي تزرع فيه والعائد على المزارع وأسرته إلى آفاق ترتبط بمصالح قومية سامقة.
خطة تطوير مشروع الجزيرة حتى عيده المئوي يجدر أن تشمل إنشاء مدن جديدة بمعايير ومواصفات عالمية حديثة، من حيث التخطيط والبيئة والخدمات والمرافق. هذه المدن ليست مجرد مستعمرات سكنية لاحتواء الطفرة الهائلة في سكان المشروع فحسب، بل ولخلق أسواق ومناطق استهلاك قريبة تساعد في رفع العائد من الزراعة بشقيها النباتي والحيواني. كما تساعد هذه المدن في توفير عمالة لبناء قاعدة صناعات تحويلية وغذائية تجعل من مشروع الجزيرة هولندا السودان.
مثل هذه الخطة تتطلب إعادة هيكلة إدارة المشروع، فما عادت متلازمة “مجلس إدارة + محافظ” كافية لتحقيق مثل هذه الخطة الجريئة. فالمطلوب تحويل مشروع الجزيرة إلى ما يشبه السلطة الإقليمية المستقلة. بعبارة أخرى، استحداث قانون يجعل المشروع سلطة إدارية للمنطقة بكاملها التي يتمدد فيها المشروع، تتولى كامل إدارة الإنسان والأرض والأصول.
ولتحقيق ذلك، من الحكمة تغيير الاسم. فكلمة “مشروع” عادة تمنح الإحساس بعمل بدأ ولكن لم يكتمل (Project). وحتى الترجمة الإنجليزية المستخدمة حاليًا (“Scheme”)، التي حاولت الالتفاف على المعنى المباشر لكلمة “مشروع”، لا تحقق الوصف الدقيق لهذا العملاق الذي يعتبر أكبر مزرعة مروية في العالم تحت إدارة واحدة.
أقترح أن يتحول الاسم ليصبح “مقاطعة الجزيرة”، وبالإنجليزية “Gezera County”، بقانون خاص يسمح لإدارة المقاطعة بأن تتمدد سلطتها فوق المناطق التي يخرج فيها المشروع حتى عن حدود ولاية الجزيرة.
بهذا التوصيف الجغرافي لمقاطعة الجزيرة، يصبح المنصب التنفيذي الأعلى فيها بمسمى “رئيس مقاطعة الجزيرة” ليقود جهازًا إداريًا كاملاً يضم حتى الخدمات مثل: التعليم والصحة وغيرها. بجانب “مجلس المقاطعة” الذي يمثل الجهاز التشريعي والرقابي لمقاطعة الجزيرة.
إدارة المقاطعة تتمتع بسلطات واسعة تسمح لها ببناء منظومة المدن وشبكات الطرق والطاقة والسكك الحديد المحلية داخل المقاطعة، بجانب المرافق الخدمية مثل مؤسسات التعليم والصحة والترفيه وغيرها.
ويمكن أن تستقل بقانون خاص للاستثمار يلائم المقاطعة وتكوينها المعتمد على الزراعة النباتية والحيوانية والثروة السمكية ومنتجات النحل وغيرها.
كل المطلوب لتصميم هذه الخطة الجريئة والطموحة هو أن نعمل بمبدأ “التخطيط بالآمال لا بالآلام”. فعقلية التخطيط لا تئن ولا تتوجع من واقع الحال، بل تنظر بعين الأمل للمستقبل الواعد الذي ينتظر شعبنا الكريم صاحب هذه الأرض وثرواتها.
بسم الله نبدأ، وعليه توكلنا.
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.