حديث المدينة، الأربعاء 22 يناير 2025 ..هل يخجلون مثلنا؟

عثمان ميرغني

شاب سوداني التقيته صدفة، يقيم في دولة أوروبية ويحمل جوازها. قال لي بتأثر بالغ إن الهوية الأوروبية لم تمحو وصمة كونه سودانيًا عند عبوره المطارات الأوروبية ذاتها. في مطار أوروبي شهير، أبرز جوازه الأجنبي، لكن موظف الهجرة سأله عن جنسيته الأصلية.

فلما رد عليه أنه سوداني، أشار إليه أن يتنحى عن الصف وينتظر قليلاً.

وفوجئ بعد ذلك أن سودانيين آخرين عابرين بالمطار ذاته كانوا ينتظرون لعدة ساعات للسماح لهم بدخول الدولة الأوروبية. كلهم القاسم المشترك بينهم هو أنهم يحملون شرف كونهم من أصول سودانية.

لم أتفاجأ بالقصة، لأني سمعتها مرارًا.

تختلف التفاصيل وتتفق في توصيف الحال الذي وصلنا إليه. أن الهويات الورقية لا تخفي هوية الدم الذي يجري في العروق، الذي لا يمكن تبديله أو الهروب منه.

عند زيارتي لعدة دول في الفترة الأخيرة، ورغم تعاطف شعوب تلك الدول مع حالنا السوداني وحسرتهم على ما يسمعونه في الأخبار، إلا أنني كنت أحس بخجل كبير كلما سألوني عن الحال في بلادنا. خاصة في سيارات الأجرة، بمجرد أن يلمح السائق السمات السودانية – وهي لفخرنا لا تخفى على أحد – يبادر بالسؤال بعفوية عن آخر أخبار السودان.

ثم يتساءل ببراءة: ما الذي يجبر السودانيين على الولوج من هذا المستنقع الدامي؟ كنت أحس بحجر ثقيل في صدري وأنا أحاول أن أشرح له ما يُخجل شرحه.

والله الذي يحدث في بلادنا – وحتى دون حساب التكلفة البشرية والمادية – هو عار ووصمة في جبين كل سودانية وسوداني.

ويزداد العار أكثر كلما حملت الأخبار هتكًا واسعًا للأعراض وسرقات، وإجبار الملايين على النزوح… في ما تسميه الأمم المتحدة أكبر كارثة إنسانية في العالم.

ثم يزداد العار أكبر عند الحديث عن المجاعة. ويا لحسرتي عند نشر صور طوابير الواقفين أمام “التكايا”. ما أفجع من صور الجوع إلا تعليق يتباهى بأن السودانيين أهل كرم لأنهم يفتحون “التكايا”…

وكأن الذين أُحوجهم الجوع للوقوف في الطابور لساعات تحت الشمس من أجل حفنة لقيمات تقيم صلبهم ليسوا سودانيين!

منذ متى يرضى سوداني أن يقف في طابور أمام مغرفة تضع له في إنائه قليلًا من الطعام يحمله لأسرته، إن لم يجبره قهر النظر في عيني أطفاله الجائعين؟

هذا الشعور العميق بالحياء والحسرة من نظرة الشعوب الأخرى إلينا… يا ترى، هل يتسلل إلى قلوب سادتنا وساستنا الممسكين بدفة الأمور في بلادنا؟ أم تراهم يظنون أن الشعب، من فرط سعادته، يخرج ليستقبلهم في المطارات والطرقات ليقول لهم: “شكرًا، رفعتم رؤوسنا”؟

عندما يسافرون لتمثيلنا في الخارج… هل يشعرون مثلنا بالحياء؟

نقلا عن – موقع  صحيفة التيار


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *