عثمان ميرغني
تعليق وزير الخارجية السوداني، الدكتور علي يوسف، أمس، على العقوبات التي أعلنتها أمريكا ضد رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، سقطت منه سهوا فقرة كاملة.
قال الوزير في أول تعليق له على القرار: “إن هذا القرار يفتقد لأبسط أسس العدالة والموضوعية، ويستند على ذرائع واهية لا صلة لها بالواقع، كما ينطوي على استخفاف بالغ بالشعب السوداني الذي يقف بأسره خلف الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بصفته رمزًا لسيادته وقواته المسلحة، وقائدًا جسورًا لمعركة الكرامة ضد عصابات الجنجويد الإرهابية.”
وأضاف: “لن يثني هذا القرار غير الأخلاقي الشعب السوداني في معركته ضد المليشيا الإرهابية، ولن يؤثر في عزيمته ووحدته لاجتثاث ذلك السرطان من أرضه ليعود السودان أقوى مما كان.”
هذا ما تمكنت من تلخيصه من تعليق مطول للوزير، ومصدر اهتمامي به أنني توقعت – بحسن ظن كبير – أن مؤسسة الدبلوماسية السودانية ومنذ صدور القرار عكفت على تصميم سياسة التعامل معه، بأبعادها المختلفة. وفقًا لهذا الظن، تصورت أن السيد وزير الخارجية سيبتدر من منصته على قمة الدبلوماسية السودانية خط “معالجة” لآثار القرار.
ما قاله الوزير في تعليقه المطول ورد بالحرف في بيانات الجهات الحكومية، بما فيها وزارة الخارجية نفسها، وكررته عشرات البيانات الصادرة من الأحزاب والمكونات المجتمعية وحتى النقابية السودانية، ومئات المقالات الصحفية والبرامج الإذاعية والتلفزيونية ومجموعات وسائل التواصل الاجتماعي. وعندما يستعيد وزير الخارجية الخطاب المنتشر ذاته، فكأنما يكشف أن المؤسسة الدبلوماسية السودانية لم تدرس ولم تصل إلى قرار أو سياسة للتعامل مع القرار.
أقل ما كنت أتصوره أن ينتبه تعليق الوزير لكون أن البيت الأبيض احتفى أمس بتغيير الإدارة الأمريكية، وأن هناك صفحة جديدة – بكل ما تعني الكلمة – تفتح في الولايات المتحدة الأمريكية، وأن هناك مساحة واسعة وفرصة لإعادة ترسيم العلاقات مع إدارة ترامب الجديدة، التي تبحث بسرعة وعجلة عن تموضع دولي جديد يراعي شعار المرحلة: لا حروب، والاقتصاد والاستثمار هو العنوان الرئيسي لبدايات جديدة مع الجميع.
تعليق وزير الخارجية كان أجدر أن يتضمن فقرة مثل: “إن ابتدار إدارة أمريكية جديدة برئاسة السيد دونالد ترامب برؤية تعزز السلام وترنو لعالم الفرص والمصالح المشتركة يجعلنا ننظر إلى أفق جديد في علاقتنا بالولايات المتحدة الأمريكية، يعظم هذه المصالح ويساهم في نشر السلام في قارتنا الأفريقية. ومن هذا المنطلق، فإننا نفتح أبوابنا مشرعة لصفحة جديدة في علاقتنا الثنائية، صفحة عنوانها التعاون والارتباط لا المواجهة والعقوبات.”
أو على هذا النسق دون الحاجة للاسترسال أكثر.
وفهمي لذلك أن الواقعة قد وقعت، وقرار العقوبات بات أمرًا واقعًا، فالأجدر أن تمد الحكومة السودانية يدها للقادم الجديد في البيت الأبيض، وتستهل ذلك بمثل هذه الكلمات المفتاحية. على أن يتبع ذلك رؤية وخطة استراتيجية متعددة المراحل لتغيير المعادلة التي ظلت تهيمن على العلاقات السودانية الأمريكية، والتي جعلت منها حلبة ملاكمة لإبراز عنترية الشعارات والهتافات في كل العهود، عدا عهد الرئيس إبراهيم عبود.
ثقتنا الكبيرة في الوزير علي يوسف تجعلنا نستبشر بعهد الدبلوماسية المدروسة ذات الخطة الاستراتيجية البصيرة.
نقلا عن موقع صحيفة التيار
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.