عثمان ميرغني
ساذج من يظن أن قرار الولايات المتحدة الأمريكية بمعاقبة حميدتي صدر أمس.. فالذي حدث حقيقة أنه أعلن أمس لكنه كان جاهزا في انتظار لحظة الافصاح عنه.. و اضطرت إدارة بايدن أن تعلنه وقد أزف رحيلها وتسليم الحكم للرئيس المنتخب دونالد ترمب يوم 20 يناير، أي بعد أقل من أسبوعين.
القرار الرئاسي التنفيذي الذي بموجبه صدرت سلسلة العقوبات ضد شخصيات طبيعية واعتبارية سودانية منذ العام 2023، ينص على أن تحدد وزارة الخزانة الأمريكية المستهدفين بالعقوبات ولكن لا تعلن الا بعد التشاور مع وزارة الخارجية.. أي ربط الظرف السياسي بالاجراء.. و عندما بدأت العقوبات وطالت عبد الرحيم دقلو دهش كثيرون لأن القرار تخطى الرجل الأول في تسلسل قيادة الدعم السريع.. لكن في حقيقة اسمه كان في قائمة العقوبات.. ولظروف تتعلق بترقب الولايات المتحدة الامريكية لمفاوضات سلام تنهي القتال تأخر اعلان حميدتي، إلى أن أصبح لا مناص وقد انتهى زمن المباراة.
و من هذه الزاوية تحديدا، ألفت الانتباه للخطأ الكبير الذي ارتبكه رئيس مجلس السيادة البرهان حينما عزف عن الانخراط في جولة المفاوضات بسويسرا أغسطس 2024 الماضي.. بحجج ضعيفة.. بينما لو شارك وفد الجيش لاستفاد كثيرا من الموقف الذي أعلنته الآن أمريكا..
وأذكر أنني كتبت وتحدثت كثيرا حينها أن أوراق المفاوضات لصالح وفد الجيش، خاصة إذا ركز في المفاوضات على مبدأ الشرعية في مقابل التمرد..
دون الانشغال باتفاق جدة الموقع في مايو 2023.. فتلك الجولة كانت فرصة سانحة ليصطف المجتمع الدولي خلف الجيش ممثلا شرعيا للسودان وسيادته وشعبه.. لكن بكل أسف كان النظر قصيرا والأعذار أقصر منه.
الآن .. كما فعل الرئيس أوباما في العام 2017، عندما اختار في آخر أسبوع قبل مغادرته البيت الأبيض أن يعلن إلغاء المقاطعة الاقتصادية ضد السودان..
كرر الفعل نفسه الرئيس بايدن وختم دفاتره بقرار مهم مؤثر على الأوضاع في السودان.. فيصبح السؤال .. هل يمتد أثر هذا القرار ليشكل سياسة الادارة الامريكية الجديدة بقيادة ترمب تجاه السودان؟
الاجابة، لا.. إلا بشروط.
الرئيس ترمب لا يعتمد سياسة منهجية ثابتة في ادارته الخارجية، وعادة يوازن بين معطيات ترتبط بمصالح أمريكا في المقام الاول.. وبالضرورة ربما يعيد النظر في سياسات بايدن ثم يسير معها أو ضدها..
المطلوب من الدولة السودانية أن تتبصر بما يجب عليها فعله لتضمن استثمار قرار بادين و استمرار دفع خلفه في الاتجاه ذاته.. وهذا يتطلب أمرين:
تأكيد الانخراط في جهود السلام، وحاليا متاحة عبرمسارين .. أحدهما قريب عهد وهو مبادرة أردوغان، والثاني منبر جدة في نسخته الأخيرة التي أطلق عليها مجموعة ALPS.. صحيح قد يتغير الاسم او تتغير عناصر المجموعة لكن في النهاية سيظل مسار المفاوضات مفتوحا.
هناك معطيات كثيرة تلعب لصالح السودان، على رأسها الارتباط الإيجابي مع متغيرات الشرق الأوسط الجديد.. الترتيبات الدولية لإطفاء الحرائق و تعزيز الاستقرار ومنح الأفضلية للمناطق الملتهبة ..
لكن ذلك قد يصطدم بواقع داخلي مرتبط بغياب هياكل الدولة في السودان.. واستحواذ الرئيس البرهان على مقاليد الحركة والسكون بصفة فردية.. مما يقلل من ثقة المجتمع الدولي في ثبات سياساته والالتزام بما يتوافق و يتفق عليه.
ليت وزارة الخارجية تشكلل فرق عمل من الخبراء متخصص للنظر في خيارات السودان من خلال المعطيات الراهنة.. مبادرة أردوغان و العقوبات الأمريكية و الادارة الجديدة في البيت الأبيض..
من الحكمة التموضع جيدا في هذا الظرف المهم.
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.