الطيب أبو كروك
تُعتبر الحركة الإسلامية في السودان من القوى السياسية التي لعبت دورًا محوريًا في تاريخ البلاد الحديث، لا سيما فيما يتعلق باتفاقيات السلام. منذ انطلاقها في السبعينيات، كانت الحركة الإسلامية تسعى إلى تحقيق أهدافها السياسية والدينية، مما جعلها تتداخل بشكل كبير مع مجريات الأحداث السياسية والأمنية. وتأثيرها على كل اتفاقيات السلام، أبرزها اتفاقية أديس أبابا 1972م. رغم أن هذه الاتفاقية أنهت الحرب الأهلية الأولى ومنحت الحكم الذاتي للجنوب، إلا أن الحركة الإسلامية مارست ضغوطًا سياسية على الحكومة، أو بالأحرى رأس النظام المايوي الدكتاتور جعفر محمد نميري، مما أدى إلى عدم حل جميع القضايا العالقة واستئناف القتال في التسعينيات.
تلتها اتفاقية الميرغني-قرنق 1982م، حيث هاجمت الحركة الإسلامية هذه الاتفاقية بشدة، وصورتها كأنها رجس من عمل الشيطان، وأنها اتفاقية علمانية كاملة الدسم، مستخدمةً وسائل الإعلام لتصويرها كعمل مرفوض من قبل الشعب، مما أسهم في إجهاضها وعدم تنفيذ بنودها. في العام 2005م، ظهرت في السطح ما يعرف باتفاقية نيفاشا، ولسخرية القدر، كان أحد أطراف هذه الاتفاقية الحكومة السودانية ممثلة بحزب الحركة الإسلامية، حزب المؤتمر الوطني، الذي استولى على الحكم بانقلاب 1989م، والحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة دكتور جون قرنق.
أنهت الحرب الأهلية الثانية وأعطت الجنوب حق تقرير المصير، وتضمنت أيضًا بروتوكولات حول السلطة والثروة، أدت إلى استفتاء في 2011م والذي أسفر عن انفصال الجنوب وتأسيس دولة جنوب السودان.
رغم أن الحركة الإسلامية كانت طرفًا في هذه الاتفاقية، إلا أن استراتيجياتها السياسية أدت إلى عدم تنفيذ بعض بنود الاتفاق، خصوصًا المتعلقة بالعدالة والمصالحة. في الوقت الذي كانت فيه الحركة الإسلامية تروج للسلام، كانت تتبنى سياسات تعزز من النزاعات في مناطق مثل دارفور وجنوب كردفان، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي. عبر التعطيل المتعمد باستخدام التكتيكات السياسية والإعلامية، استطاعت الحركة الإسلامية أن تعطل تنفيذ العديد من الاتفاقيات، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية.
أدى ذلك إلى انقسامات داخلية في أجهزة الحركة الإسلامية، لم تتمكن من اتخاذ قرارات موحدة تدعم السلام، مما أضعف قدرتها على تنفيذ التزاماتها في اتفاقيات السلام. أدى ذلك إلى انفصال الجنوب، وكنا نعتقد أن الحركة الإسلامية غرست آخر خنجر مسموم في جسد الأمة السودانية، وكان حصاده انفصال جزء عزيز من الوطن.
خلاصة الأمر تُظهر أن تاريخ الحركة الإسلامية في السودان يعكس دورًا معقدًا في إجهاض اتفاقيات السلام. من خلال المناورات السياسية، والاستخدام المفرط للقوة، والافتقار إلى الالتزام الفعلي بالاتفاقيات، ساهمت الحركة في إطالة أمد النزاعات، مما أثر سلبًا على الاستقرار والتنمية في البلاد.
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.