عثمان ميرغني
كثيرون ربما أدهشهم الحزن والتأثر الذي أبداه السودانيون أمس عندما بلغهم نبأ وفاة الأستاذ دينق قوج النائب في برلمان جمهورية جنوب السودان.. فاضت وسائط التواصل الاجتماعي بآلاف الرسائل بين نعي وتذكر و حكايات رسمت صورة واضحة المعالم للفقيد لمن لم يسمعوا به من قبل.
لا أريد هنا أن اتبع التقليد المعروف في رثاء دينق وسرد مأثره .. حيث جاء يوم شكره..
لأن كثيرين أدوا الواجب و لم يقصروا .. بل انتهز المناسبة لأضع ارث دينق كما يجب أن يكون في السياق الذي يصحح علاقات السودان و جنوب السودان دولة وشعبا.
جمهورية جنوب السودان ليست كأية دولة.. هي توأم كان حتى عهد قريب جسدا واحدا من السودان الكبير.. وشاءت نكبات السياسة والساسة أن تضطر شعبنا في جنوب السودان أن يختار الانفصال حدوديا في دولة مستقلة.. و المحافظة على الاتصال الشعبي والوجداني.
الذي لفت نظري منذ استقلال دولة جنوب السودان أن الدماء التي سالت لم تصنع حاجزا نفسيا رغم طول ليل الأزمة في سنوات امتدت منذ 1955 إلى 2011..
بمجرد رفع العلم في جوبا رُفع الغبن والشعور بألم الذكريات .. لدرجة ان ضباط الجيش السوداني الذي رحلوا جنوبا بحكم كونهم ينتمون الى الدولة الوليدة التحقوا بالجيش في جنوب السودان بمنتهى الأريحية.. بلا ضغائن كونهم كانوا يقاتلون في الجانب الآخر.
دينق قوج مشى أبعد من ذلك و قدم نموذجا يجب ان يتحول الى سلوك مؤسسي بين البلدين.. كثيرون من الذين تعرفوا عليه أثيريا ولم يلتقوه أدهشهم أنه – ورغم كونه مسؤولا رفيعا في جمهورية جنوب السودان- لكنه يتحدث بلسان ومشاعر الشعبين.. حتى في التعبير الساخر خلال مباريات كرة القدم التي تستضيفها جوبا أو تكون طرفا فيها .. يبدو التعبير في سياق (روح واحدة في جسدين) أو بالأحرى شعب واحد في دولتين.. بلا أدنى حساسية..
يصبح السؤال الحتمي.. كيف نحول مثل هذه الروح العميقة بين الجنوب والشمال الى مصالح عميقة لكل فرد بين ضفتي الحدود؟
هذا ليس سؤالا في حصة الانشاء ليجس مناسيب البلاغة في التعبير.. بل استكشاف حقيقي عملي لما يجب ان تفعله جوبا والخرطوم ليكون كل فرد في جنوب السودان و السودان قادرا على الاحساس بمصلحته المباشرة في شقيقه على الضفة الأخرى.. فالحياة المستمرة الممتدة تحفظها المصالح المستمرة الممتدة وليس العواطف العابرة.. فقريبا تتغير الأجيال وحتما سيأتي في جنوب السودان جيل لا يعرف الكلاكلة ولا الحاج يوسف ولا بحري ولا أمدرمان.. ولا وردي ولا النور الجيلاني ..
فكيف نستفيد الأن من هذه الروابط الوجدانية النابعة من حياة مشتركة في وطن واحد.. لنجعل المستقبل مزدهر بمصالح مباشرة يحس بها كل فرد في البلدين؟
أتوقع أن يقفز لأذهان الكثيرين الاتصال السياسي على المستوى الفوقي بين البلدين.. ولكن هذا أقل كثيرا مما يجدر أن يكون.. لان التواصل السياسي الفوقي قابل أن ينشأ مع البرازيل في أقصى الركن الجنوب غربي في الكرة الأرضية بنفس الدرجة التي يمكن أن ينشأ مع اليابان في أقصى الشمال شرقي.
المطلوب هو تصميم نموذج سوداني فريد.. يجعل السودان الكبير وطنا افتراضيا في ذهن شعبي البلدين..
كيف؟ سأحاول أن أقدم طرحا ومقترحات لذلك.
#حديث_المدينة الثلاثاء 17 ديسمبر 2024
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.