خالد عبد العزيز
بأُفُولُ نجم الرئيس السوري بشار الأسد تكون سوريا قد طوت صفحة حكم نظام حزب البعث الذي حكم البلد لأكثر من اربع عقود من الزمان بقبضة حديدية 1963 – 2024 .
وقد أسدل الستار علي حكم اسرة الأسد 1970 – 2024 . وقد يكون نهاية حكم الأسد هو مقدمة لتغيرات في الجغرافيا السياسية للدولة السورية المركزية . لان الدولة الهشة قد تقع فريسة لمطامع مختلفة .
أولا عبر تركيا التي تريد السيطرة علي أجزاء من سوريا بزعم حماية امنها من خطر الاكراد الي جانب استمرار سيطرة إسرائيل علي الجولان وربما الاستيلاء علي أراضي جديدة في سوريا بحجة حماية امنها اضافة الي خطر التناقضات من داخل المجموعات المسلحة التي هزمت الجيش المركزي السوري بتمويل خارجي . وهذه المجموعات بين صفوفها تباينات ايدلوجية كبيرة وتناقض مصالح وعلاقات متقاطعة مع دول مختلفة . اضافة لمحاولة الاكراد لتكوين دولتهم . وكل هذه المطامع وتقاطع المصالح الدولية والاقليمية والمحلية تهدد وحدة سوريا اضافة للعامل الرئيسي هو ارث نظام الاسد الشمولي ورفض اي حلول سياسية للازمة في بلاده . وهذا السيناريو بارتخاء قبضة الدولة المركزية يظل شاخصا في سوريا بعد ماحدث من تجارب في العراق وليبيا واليمن والسودان وعدم نضج واكتمال عمليات التغيير والتناحر بين الانظمة القديمة والجديدة الهشة اضافة للتدخل الخارجي الكثيف وهشاشة الدولة بفعل توالي الانظمة الشمولية .
التغيير الذي حدث في سوريا بالطبع له انعكاسات وتاثيرات استراتيجة في الاقليم المضطرب . فهو ياتي في سياق استراتيجية امريكية وإسرائيلية ومعهم بعض الحلفاء في المنطقة لاعادة رسم الخارطة السياسية والجغرافية والامنية في الاقليم وفق معادلات وتوازنات ومصالح جديدة . الهدف الرئيسي هو تفكيك النفوذ الاقليمي الايراني عبر اضعاف ما يسمي بمحور المقاومة الاسلامية براس رمحه المتمثل في حزب الله في لبنان ثم حركة للمقاومة الاسلامية ” حماس ” في فلسطين ويتم هذا منذ اكثر من عام عن طريق العمليات العسكرية الاسرائيلية بدعم عسكري ومخابراتي واقتصادي ودبلوماسي وسياسي امريكي عبر استغلال الفرصة التي لاحت لاسرائيل للانقضاض بعنف من خلال عملية طوفان الاقصي التي صنعت لاسرائيليين غطاءًا دبلوماسيا غربيا غير مسبوق . مع السعي لتقليص النفوذ الايراني في العراق بوسائل سياسية واقتصادية وامنية مختلفة وتقليل التاثير الايراني في اليمن عبر اضعاف حركة الحوثي عسكريا واقتصاديا .
الان بسقوط نظام الاسد فقدت ايران الحديقة الخلفية وشريان الحياة لامداد حزب الله بالسلاح نسبة لعدم وجود حدود بعد الان مفتوحة لايصال الامداد الي حليفها في لبنان والذي بدوره يتعرض لعدوان عنيف ومتوحش من إسرائيل مع اختراق امني كبير لبنية حزب الله التنظيمية والامنية .
في الاصل مصطلح الشرق الاوسط قد خرج للعلن تاريخيا كبديل لعبارة الوطن العربي بغرض ان تكون إسرائيل جزءا من الاقليم . وفي المرحلة الجديدة تسعي واشنطون واسرائيل بالانطلاق للمرحلة الثانية وهي استكمال تطبيع الوجود الاسرائيلي مع الدول العربية كافة وفقا لقاعدة المصالح مع تصفية القضية الفلسطينة وخبوء المطالبات بحل الدولتين واتجاه الدول العربية لمصالحها القطرية الذاتية مع ضمان امريكي لاستمرار حكم انظمة الحكم العربية السائدة حاليا مع اصلاحات حسب الرؤية الامريكية لابعاد شبح الارهاب وفقا للمفهوم الامريكي . ومن اهداف الشرق الاوسط الاستراتيجة هو الهيمنة الاقتصادية الامريكية علي الموارد الاقتصادية والطبيعية في المنطقة ومحاربة النفوذ والتنافس الروسي والصيني علي الاقليم .
هناك عدد كبير من الدول العربية ولاسيما دول الخليج تدعم مفهوم الشرق الأوسط الجديد لأنها لديها تخوفات وهواجس من التمدد الإيراني فالأمر ليس مجرد صراع طائفي سني – شيعي ولكنه صراع علي النفوذ والمصالح الاقتصادية والأمنية كما ان لإيران مشروع فارسي قديم ولديها من الإمكانيات الاقتصادية والعلمية والسكانية والعسكرية والتاريخية التي تمكنها من ان تكون دولة مركزية في الإقليم وذات تأثير عالمي وهي تستند علي ارث الإمبراطورية الفارسية وتحاول استغلال الهشاشة العسكرية لمعظم الجيوش الدول العربية .
والي جانب ايران هناك أيضا تركيا التي تسعي بدورها لاستعادة مجدها كإمبراطورية وان تكون ذات نفوذ سياسي واقتصادي وعسكري مركزي في الإقليم .
ايران بدورها لا تستسلم لعمليات الحصار الممنهج والعقوبات الاقتصادية وتتجه لاستعاضة تفكيك اذرعها الإقليمية العسكرية بالإسراع في وتيرة تخصيب اليورانيوم لإنتاج القنبلة النووية وإعادة حفظ التوازن لقوتها علي مستوي الإقليم ولحفاظ علي استمرار وجود نظام الحكم .
مشروع الشرق الأوسط الجديد رغم انه يحقق نجاحات في الوقت الحالي عبر اضعاف النفوذ الإيراني في لبنان وغزة وسوريا ولكنه تواجهه تحديات معقدة ابرزها اتجاه ايران لإنتاج القنبلة النووية للحفاظ علي جودها واحلال توازن قوي جديد يحول دون استهدافها عسكريا .
ومن التحديات عدم وجود حل عادل للقضية الفلسطينية مع رفض ترامب – نتنياهو لحل الدولتين لان العنف والعدوان لن يحلان الازمة لأمريكا وإسرائيل ولكن بالتأكيد سينتج عن هذا اشكال متجددة من المقاومة في فلسطين وفي بقية الدول العربية .
من التحديات أيضا تناقض المصالح بين الدول العربية وبروز علاقاتها المتطورة مع روسيا والصين اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا وفقا للمصالح الحيوية والاقتصادية المشتركة لخلق توازن جديد ومحاولة دول الخليج الغنية تحديدا من ان تكون ضحية للهيمنة الامريكية الأحادية .
كما ان بعض الدول العربية تقاوم جوانب من المشروع الأمريكي الذي يتضمن تغييرات عميقة داخل هذه الدول علي المستوي السياسي والاجتماعي ليتوافق مع النموذج الأمريكي او مصطلح الديمقراطية الامريكية . ومعظم حلفاء أمريكا من العرب كان لديهم هواجس مما يعرف بالربيع العربي وما افرزه من تغييرات سياسية وامنية في المنطقة وما يمثله من خطر علي أنظمة استمرار استقرار أنظمة الحكم الماثلة والمنظومات الاجتماعية والاقتصادية .
ولعل التحدي الأبرز لمشروع الشرق الأوسط الجديد هو الطموح اللانهائي لإسرائيل ورغبتها في التمدد والسيطرة والاستحواذ وتزايد نفوذ الأحزاب اليهودية المتشددة ورفضها لأي وجود فلسطيني وعدم الاعتراف بالأخر .
ربما يكون اكبر عائق يحول بين اتساق إسرائيل مع دول الإقليم مهما أبدت الدول العربية من تنازلات هو ان هناك حواجز تاريخية ونفسية متراكمة مازالت ناهضة بين إسرائيل وشعوب الدول العربية وبدون إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية فان التطبيع قد يمثل علي المدي البعيد خطر وجودي علي أنظمة الحكم العربية . .
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.