د. عبد الباقي جيلاني أحمد
تمر منطقة الجبلين بمرحلة عصيبة من تاريخها، إذ تتشابك التحديات المحلية مع الأوضاع المأساوية التي تعيشها البلاد. ومع ذلك، فإن هذه المنطقة تتمتع بخصوصية فريدة، جعلتها رمزاً للتعايش والتلاحم الاجتماعي، حيث انصهرت فيها قبائل مختلفة مثل دار محارب، عطاوة، الزرقة، والجلابة. هذا التنوع أثمر نسيجاً اجتماعياً متماسكاً يمثل الهوية الجامعة لأهل النيل الأبيض.
ومع اشتداد الحرب المفروضة على الوطن، يبرز التحدي الأكبر: الحفاظ على هذا النسيج الاجتماعي وحمايته من تداعيات الصراع. لقد استغلت الميليشيا سنوات وجودها في السلطة لإنشاء معسكرات في مختلف أنحاء السودان، بما في ذلك النيل الأبيض. واستقطبت هذه المعسكرات العديد من الشباب تحت أعين السلطات. لكن بعد التمرد على الدولة، انضم أغلب هؤلاء إلى صفوفها، مدفوعين بأطماع شخصية لا تعكس جوهر قبائلهم أو قيمها. ورغم محاولات الميليشيا لإضفاء طابع قبلي على الصراع، فإن الحقيقة تؤكد أنها لا تمثل إلا نفسها، وأن ربطها بالقبائل خطأ يجب تفاديه.
اليوم، تُظهر المؤشرات أن الحرب تقترب من نهايتها، وأن الواقع أقل حدة مما يصوره إعلام الميليشيا. وبفضل الله، تحرز القوات المسلحة والقوات الأخرى انتصارات متتالية بدعم المستنفرين من أبناء الوطن. لكن، لا يزال التحدي قائماً في التعامل مع التحركات اليائسة للميليشيا، التي تهدف إلى زعزعة الأمن ورفع الروح المعنوية لعناصرها المنهزمة.
خطوات مواجهة التحديات
للخروج من هذه الأزمة، هناك خطوات ضرورية يجب اتخاذها على مختلف المستويات:
1.تعزيز الإعلام الإيجابي: ينبغي التركيز على بث رسائل طمأنة للمواطنين، لتشجيعهم على البقاء في مناطقهم وتقليل الهجرة من الجبلين إلى مدن مثل ربك وكوستي.
2.مواجهة الخلايا النائمة: يجب تبني عمل استخباراتي شعبي بالتنسيق مع السلطات المحلية، يهدف إلى رصد المجرمين واللصوص الذين أخرجتهم الميليشيا من السجون، مع التفريق بوضوح بين هؤلاء وأبناء قبائلهم.
3.تعزيز الأمن المحلي: من الضروري تشكيل فرق مشتركة من القوات المسلحة والقوات الأخرى لتنفيذ دوريات ليلية في منطقة الجبلين والمناطق المحيطة، لضمان استقرار الأوضاع وحماية ممتلكات المواطنين.
4.ضبط الأسواق: يتطلب الأمر وضع آليات فعالة لضمان توفر السلع الأساسية ومنع إفراغ الأسواق من البضائع، لتجنب أي أزمات اقتصادية إضافية.
إشادة بدور أهل الجبلين
لطالما كانت قبائل منطقة الجبلين سداً منيعاً في وجه التمرد، حيث شكّلت حائط صد حال دون تمدد الصراعات إلى شمال السودان. واليوم، يواصل أهل المنطقة دورهم البطولي من خلال الدفاع في الصفوف الأمامية. هذا التاريخ المشرف يؤكد أن المنطقة محصنة بأبنائها المخلصين، الذين يقدمون أروع الأمثلة في التضحية والفداء.
خاتمة
إن تحديات منطقة الجبلين تعكس صورة مصغرة لما يعانيه الوطن ككل. ومع ذلك، فإن العمل الجماعي والوعي بأهمية النسيج الاجتماعي يمكن أن يحوّل هذه المحنة إلى فرصة لتعزيز الوحدة الوطنية. بالمثابرة والالتزام، سيظل أهل الجبلين رمزاً للتماسك والصمود في وجه كل محاولات التفرقة والفتنة.
وزير المعادن الأسبق
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.