محمد البلالي: مغامر غامض من وسط افريقيا في سودان القرن التاسع عشر

خالد محمد فرح

[email protected]

توطئة

تظل شخصية ” محمد البلالي “، أو ” محمد الهلالي ” كما جاء في ترجمته في كتاب: معجم تراجم أعلام السودان منذ أقدم العصور وحتى عام 1948م لريتشارد هل، واحدة من أكثر الشخصيات غموضاً وإثارة للفضول المعرفي في ذات الوقت، في تاريخ سودان القرن التاسع عشر.

وفي حدود علمنا، فإن هذه الشخصية الغامضة واللافتة للانتباه معاً، والتي ظهرت هكذا دفعةً واحدة كالنبت الشيطاني، على مسرح الأحداث في سودان وادي النيل، لفترة قصيرة استغرقت بضع سنين فقط، بين أواخر ستينيات القرن التاسع عشر وأوائل السبعينيات من ذات القرن، لم تفرد حتى الآن فيما يبدو، بأعمال بحثية مستفيضة، سواء في شكل كتاب، أو أطروحة علمية، أو حتى ورقة علمية، أو مقالة استقصائية محددة.
وخلاصة حكاية محمد البلالي في سودان فترة الحكم التركي المصري، هو أنه رجل مغامر جريء من قبيلة البلالة التشادية، نجح بطريقة أو بأخرى، وفي ظل ملابسات لا تقل غموضاً وإبهاماً عن شخصية البلالي نفسها، نجح في الاتصال بإدارة الحكم التركي المصري للسودان في القاهرة والخرطوم، فأمدته بالسلاح والعتاد والمقاتلين، لكي يبسط سلطانه باسمها وتحت رايتها، في كل من بحر الغزال بجنوب السودان، واحتمالاً من بعد، على سلطنة دارفور نفسها، التي كانت مستقلة حينئذ. ولكن مشروع محمد البلالي الذي كان مخططاً له فيما يبدو، كان قد اصطدم بالوجود القوي والفاعل في ذات المنطقة، أي بحر الغزال، لتجار ومغامرين آخرين، جلهم من شمال السودان، كان على رأسهم ” الزبير رحمة منصور “، مما جعل الصدام بين الطرفين حتمياً، وقد حدث ذلك الصدام بالفعل. ولكن الزبير قد هزم البلالي وجيشه هزيمة نكراء، بل كانت نهاية هذا الأخير، على يد الزبير شخصيا.
ولعل من المناسب والجائز أيضا، أن ننظر إلى شخصية الشيخ محمد البلالي، وإلى مغامرته الجريئة في سودان القرن التاسع عشر، كتجسيد وانعكاس نموذجي، لحقائق ومظاهر التواصل والتداخل الثقافي، والاجتماعي، والبشري، والاقتصادي، والسياسي في نهاية المطاف، الذي ظل قائماً لأحقاب طويلة بين سودان وادي النيل من جهة، وبلاد السودان الاوسط بصفة خاصة من جهة أخرى. ففي عصر لم تتبلور فيه أفكار ومفاهيم: الوطنية، والدولة القطرية، وقدسية الحدود السياسية بين الدول، وهلم جرا، علاوة على عدم وجود حواجز طبيعية أصلاً، تعيق حركة التنقل من بلد الى آخر، فضلا عن عوامل القرب الجغرافي، والتماثل الثقافي والديني والمذهبي، جميع ذلك ربما فسر وجود ظاهرة هؤلاء المغامرين المتنقلين عبر طرفي هذا الفضاء المتكامل.
ولئن كان محمد البلالي أو البلالاوي ، قد أخفق في إقامة مشروعه، فلقد نجح صنوه وشبيهه من الطرف الآخر، ألا وهو المغامر السوداني ” رابح فضل الله ” 1845 – 1900م في إقامة سلطنة مترامية الاطراف في وسط افريقيا، ظلت قائمة لنحو عقدين من الزمان، في خواتيم القرن التاسع عشر، حتى
انتهت بمقتله على يد القائد الاستعماري الفرنسي النقيب لامي، في معركة ” كوسري ” في شمال شرق الكاميرون الحالية، في أبريل من عام 1900م.

نبذة مختصرة عن شعب البلالة وحضوره الاجتماعي و السياسي في وسط افريقيا:

يبدو أنه قد كانت لمجموعة البلالة حيثية معتبرة، وحضور ملحوظ، بل شوكة قوية، في التاريخ الوسيط لتشاد وما جاورها، حيث ظلت جحافلهم تجوس خلال سائر المنطقة بين امبراطورية كانم بورنو غرباً، وحتى وداي شرقا، مروراً بدار الفتري بوسط تشاد، التي ظلت هي معقلهم الرئيسي كما هو مشهور.
ولكن كون أنهم تمكنوا فعلاً من تأسيس كيان سلطوي مستقر، له وجود مادي ملموس، وتراث حكم متوارث، مارس سلطته على رقعة أرض محددة، ورعايا بعينهم، على غرار ما كان عليه الوضع في بقية السلطنات التشادية الأخرى المعروفة مثل: كانم بورنو، وباقرمي، ووداي، فإن ذلك من غير المقطوع بها حالياً على الأقل.
مهما يكن من أمر، فإن هذه الفقرة التالية، التي نقلناها عن صفحة بالفيسبوك، لموقع الكتروني، يسمى ” تشاد بالعربية “، تقدم لنا تعريفاً موجزاً ولكنه مثير للانتباه، وغني بالمعلومات التاريخية، والأنثروبولوجية، والسياسية، والثقافية، وخلافها عن قبيلة ” البلالة “، على أن يؤخذ ما جاء في هذه الفقرة بالرغم من ذلك، بشيء من العين الفاحصة والناقدة، وبقدر ما من التحفظ والاحتراز. تقول الفقرة المعنية المقتبسة:

” سلطنة البلالة التي حكمت من عام(1365 حتى 1922):
قامت هذه السلطنة في حوض بحيرة «تشاد» (أى: في بلاد السودان الأوسط)، وبالتحديد في حوض بحيرة «فترى»، وإلى الشمال منها حتى بحيرة «تشاد»، وظهرت كدولة يمكن التحقق من تاريخها منذ عام (766 هـ= 1365م)، واستمرت حتى بداية القرن العشرين، عندما سقطت المنطقة كلها في يد الاستعمار الفرنسى. وعلى الرغم من طول مدة بقاء هذه السلطنة، فإن المؤرخين لم يذكروها كثيرًا ولم يهتموا بها؛ لأنها كانت تابعة لسلطنة «الكانم والبرنو» في كثير من فترات حياتها. ويعود اسم «البلالة» إلى أول زعيم لهم ويدعى «بولال» أو «بلال» أو «جيل» أو «جليل»، ومنه جاء اسم أول زعمائهم وهو «عبد الجليل»، وربما جاء اسم «بلالة» أو «بولالة» من «بولو» الذي كان ابنًا لقبائل «البيوما» التي كانت تسكن منطقة «بيو» (Biyo)، ثم أُضيف إليه المقطع التماشكى (ilalla) فجاء اسم «بولالا» أو «بلالة»، وهي كلمة تعنى الأحرار النبلاء، وربما جاء الاسم أيضًا من اسم ميناء كان ولايزال يقع على الساحل الشرقى لبحيرة «تشاد»، يسمى ( بول) ،ثم أُضيف إليه المقطع التماشكى، فصار «بولالا» أو «بلالة» كما ينطقه البلاليون أنفسهم في هذه الأيام. أما أصل قبائل «البلالة» فقد جاء نتيجة اختلاط عناصر متعددة سكنت هذه المنطقة، وهي: البربر والعرب والسودان والزنج، وقد تصاهرت هذه العناصر فيما بينها، فأدَّى ذلك إلى امتزاجهم وتغير في صفاتهم. وقد كان «البلالة» وثنيين حتى القرن الثانى عشر الميلادى؛ حيث أسلموا عقب إسلام بنى عمومتهم الذين يتمثلون في «الأسرة السيفية الماغومية» الحاكمة في سلطنة «كانم» في القرن الحادى عشر الميلادى. أما من الناحية السياسية فقد ظهر خطر «البلالة» على سلاطين دولة «كانم» منذ وقت مبكر، رغم صلة القرابة التي تربط بينهما، ويعود ذلك إلى أن «البلالة» كانوا يحاولون التخلُّص من تبعيتهم لأقربائهم من حكام «كانم»، وقد ظهر هذا الخطر منذ عهد أول سلاطين «كانم» الإسلامية وهو الماى (السلطان) «أوم بن عبد الجليل» (1086 – 1097م) الذي حاربهم وانتصر عليهم، فأعلنوا الطاعة والخضوع، وظلوا يتقلبون بين التبعية والتحرر من سلطان «كانم» حتى ظهر زعيمهم الموصوف بالقوة والشجاعة والدهاء وهو «عبد الجليل سيكومامى» الذي حقق لهم الاستقلال التام والتوسع في حدود سلطنته في عام (1365م)، بفضل معاونة العرب الموجودين في هذه المنطقة، واتخذ من مدينة «ماسيو» التي تقع بين «بحيرة فترى» و«كانم» عاصمة له. ثم حارب مايات كانم وانتصر عليهم، وبذلك وقع إقليم «كانم» بأسره في قبضة «البلالة»، مما جعلهم يحكمون دولة واسعة تمتد من حدود «دارفور» الغربية وبلاد «النوبة» حتى شواطئ «بحيرة تشاد» الشرقية، واضطرت «الأسرة السيفية الماغومية» الحاكمة في «كانم» إلى الهرب إلى إقليم «برنو» الذي يقع في غرب «بحيرة تشاد». ولكن لم يلبث حكام «برنو» أن استعادوا قوتهم على يد الماى «على جاجى بن دونمه» الملقب بالغازى؛ نظرًا لغزوه إقليم «كانم»، ونشب بينه وبين «البلالة» صراع منذ عام (1472م) في محاولة لاسترداد «كانم» مرة أخرى، واستمر الصراع فترة طويلة انتهى بعقد اتفاقية سلام، اتفقا فيها على رسم الحدود بين «كانم» و«برنو». وعلى الرغم من ذلك وبمرور الوقت بدأ الضعف يدب في جسد سلطنة «البلالة»؛ بسبب الفتن والاضطرابات والحروب الأهلية، وظهور إمارات جديدة بدأت تُغِير على سلطنة «البلالة»، مثل سلطنة «واداى» التي تقع في الشمال الشرقى لدولة «البلالة»، وسلطنة «باجرمى» التي تقع في جنوبيِّها الغربى. وعلى الرغم من هذا الضعف فقد ظلت هذه السلطنة قائمة حتى بداية القرن العشرين؛ حيث سقطت في قبضة الاستعمار الفرنسى في عام (1900م)، ومع ذلك حكم بعض سلاطين «البلالة» تحت راية هذا الاستعمار، وظلوا كذلك حتى نالت البلاد استقلالها في عام (1960م) ودخلت بلاد «البلالة» ضمن حدود جمهورية «تشاد» الحديثة منذ ذلك التاريخ. وقد أدَّت «سلطنة البلالة» دورًا اقتصاديا وعلميا ودينيا مهما في تاريخ المنطقة ؛ إذ كانت نظرًا لموقعها بين «دارفور» و«النوبة» في الشرق، و«كانم» و«بحيرة تشاد» وماوراءها من بلاد «الهوسا» و«مالى» في الغرب، و«ليبيا» في الشمال – مركزًا مهما من مراكز التجارة التي تأتى من هذه البلدان مما انعكس أثره على مسيرتها التاريخية، ودَعْم اقتصادها، ورَبَط بينها وبين دول تقع خارج منطقة «بحيرة تشاد»، واتسعت تجارتها حتى وصلت إلى «مصر» وغيرها من البلدان، كما زادت محصولاتها الزراعية. أما الحياة العلمية: فقد تجلت في المدارس والعلماء والفقهاء والأشراف الذين كانوا يُعامَلُون بكلِّ تبجيلٍ واحترامٍ، كما ظهرت الطرق الصوفية وبخاصة «التيجانية» و«القادرية»، وكان لهذه الطرق أثر كبير في نشر الإسلام في هذه البلدان. أما اللغات التي كانت منتشرة بين «البلالة»، فهي عديدة، فقد كانوا يتكلمون لغة «كوكا» وهي قبيلة كانت تسكن مملكة «جاوجا» – أحد أقاليم سلطنة البلالة – وكانوا يتكلمون أيضًا اللغة العربية التي كانت لغة العلم والتعليم ولغة الحكومة الرسمية والتجارة والمراسلات، حتى قضى الاستعمار الفرنسى عليها وعلى استخدام الحروف العربية في الكتابة وحَوَّلَها إلى الكتابة بالحروف اللاتينية، وإن كان كثير من الأهالى – حتى الآن – يحافظون على التحدث والكتابة باللغة العربية، ومعظمهم – أى نحو (85%) – يدينون بالإسلام “.
كان للبلالا أو ” البلالة ” كما تقدم، حضور مميز في أواخر التاريخ الوسيط لبلاد السودان الاوسط ..إذ تفيدنا بعض المصادر التاريخية، كموسوعة اليونسكو لتاريخ افريقيا العام على سبيل المثال، في معرض استعراضها لوقائع تمدد حكام الاسرة السيفية بامبراطورية كانم، باتجاه مملكة برنو التي كانت تقع الى الغرب من بحيرة تشاد ، بغرض ضمها الى مملكتهم، واقامة ما صارت تعرف لاحقا بامبراطورية كانم برنو المتحدة، وذلك ابتداء من عهد الماي عمر بن ادريس 1382 -1387م ، بان مملكة كانم بورنو الموحدة الوليدة آنئذ، قد تعرضت لجملة من التحديات والمصاعب، وهي في طورها الجديد بعد ضمها مملكة برنو تحت سلطانها، حيث اشاروا من بين تلك المصاعب والتحديات، الى هجمات متواترة كانت تتعرض لها تلك المملكة باستمرار، من قبل قبيلة البلالة بالتحديد.
وفي ذات الصدد كتب الدكتور ب. م. باركندو في مقاله بعنوان: ” كانم – بورنو: علاقاتها بالبحر الأبيض المتوسط وبجيرمي وسائر دول حوض التشاد “، المنشور بالمجلد الخامس من كتاب: تاريخ إفريقيا العام، تحت العنوان الجانبي: الفرص والعقبات في طريق توسع خلافة بورنو: 1497 – 1564م، ما نصه:
” استمرت سياسة علي غاجي على يد ابنه وخليفته إدريس بن علي، الذي اشتهر باسم ” كاتاكارمابي ” ( حوالي 1497 – 1519م )، الذي وطد دعائم مكاسبه وحاول توسيع أراضي الدولة. إلا أن كاتاكارمبي وخلفاءه، واجهوا على مدى الخمسين عاماً التالية، تحديات حولت اهتمامهم عن أهدافهم التوسعية.
وكانت المشكلة الأولى أمام السيفاوا، هي استئناف البولالا لهجماتهم بعد وفاة علي غاجي. ويبدو أن البولالا كانوا مصممين على إحباط النمو الاقتصادي والسياسي لبورنو، واضطر كاتاكارمبي إلى مواجهة هجوم من البولالا بمجرد اعتلائه العرش. إلا أن هذا الماي الجديد، لم يكتف بهزيمة البولالا، بل واصل حملته حتى دخل منتصراً إلى نجيمي، عاصمة السيفاوا السابقة، التي لم يكن قد سبق العود إلى احتلالها. وبعد أن عقد كاتاكارمبي ( إدريس بن علي ) معاهدة مع البولالا، عاد إلى بورنو. غير أن ذلك السلام كان قصير العمر، فاستمرت الصدامات تقد بصورة متقطعة حتى عهد إدريس ألوما 1564 – 1596م “.

شخصية محمد البلالي وملابسات ظهوره ونشاطه في سودان الحكم التركي المصري 1821 – 1885م:

تظهر شخصية محمد البلالي والتعريف بها في المصادر ذات الصلة، بتفاصيل ومعلومات متشابهة ومتقاربة الى حد كبير، بيد انها تنطوي على الرغم من ذلك، على بعض الاختلافات الطفيفة، ولكنها لافتة للنظر ومثيرة للانتباه ايضا. فقد جاءت ترجمته مثلاً في كتاب ريتشارد هل: معجم تراجم أعلام السودان منذ أقدم العصور حتى عام 1948م، على النحو التالي:
“محمد الهلالي: ( – 1872 ) “ والمقصود ان تاريخ ميلاده مجهول، ولكن وفاته قد حدثت في عام 1872م، وهذه الزيادة والشرح من الباحث “:
مغامر خارج على القانون وفكي. جاء من بحيرة فتري في باقرمي. ظل باقياً في السودان في طريق عودته من الحج. كان في مصر حيث إنه أخبر الخديوي إسماعيل بأنه فتح أجزاء من دارفور، وأنه يرغب في الاستحواذ على مناجم حفرة النحاس. أمدته حكومة السودان بقوة صغيرة احتل بها مواقع في بحر الغزال بالتعاون مع التاجر التركي السابق كُجُوك علي ( موظف مؤقت الآن ). تشاجر مع كجوك علي الذي مات بصورة غامضة. أغضب سلوكه المتغطرس الزبير رحمة منصور ( الباشا مستقبلا )، الذي هاجمه وهزمه. قتله بعد مدة قليلة رابح فضل الله أحد أتباع الزبير. “.
وتستوقف القارئ في ترجمة ريتشارد هل لمحمد البلالي بضع مسائل في الواقع. منها اعتماده اللقب ” الهلالي ” حصراً ، دون شفعه باللقب الاخر ” البلالي ” مع أن هذا الأخير، كان هو الأشهر والأكثر شيوعاً، وهو بالتالي، الامثل والاجدر بالإثبات في تقديرنا. وهل يا ترى اختلق محمد البلالي هذا اللقب ” الهلالي ” او نحله له ناحلون لهدف ما، في مسعى للتعمية والتضليل عن لقبه الاصلي الدال عليه، بانتمائه لقبيلة ” البلالة ” التي ظلت تقطن في وسط تشاد، ما بين امبراطورية كانم برنو وباقرمي غربا ، الى التخوم الغربية لسلطنة وداي شرقا ؟..
وثانياً، إن نجاح محمد البلالي في مقابلة الخديوي اسماعيل باشا شخصياً، بحسب ترجمة هل الآنف ذكرها له، يدل على انه كان شخصا من الخطورة والاهمية بمكان، أو هكذا أريد له، على الاقل بالنسبة للخديوية المصرية، واستراتيجيتها في بحر الغزال بجنوب السودان خاصة، وربما دارفور كذلك في ذلك الوقت. ولكن الامر المدهش حقاً، هو انه لا ريتشارد هل ولا غيره من الباحثين، سواء كانوا سودانيين او اجانب، لم تستوقفهم هذه النقطة فيما يبدو، بمعنى انهم لم يتساءلوا عن سر اهتمام الخديوية بالقاهرة، والحكمدارية بالخرطوم بمحمد البلالي هذا، وفي ذلك التوقيت بالذات.
وثالثا، لا ندري من اين استقى ريتشارد هل معلومة ان رابح فضل الله هو الذي قتل محمد البلالي ؟. فالحق ان الزبير باشا نفسه قد نص في مذكراته التي أملاها على الصحفية البريطانية فلورا شو في منفاه بجبل طارق، انه هو شخصيا قد طارد البلالي على صهوة جواده، بعد أن فر هذا الأخير من أرض المعركة، وأن الزبير قد لحق به وقتله بيده.
لقد صار نبأ مصرع البلالي على يد الزبير باشا في الواقع، مأثرة خالدة ومشهورة من مآثر البطولة والفروسية في ديار قبيلة ” الجميعاب ” شمالي الخرطوم، الذين هم رهط الزبير باشا نفسه، حيث صدحت مغنيته المسماة ” بت مسيمس ” مخلدةً تلك الواقعة بقولها:

دقنكْ في الرجال ماها الدقينة ام طوطةْ
في ساعة الحرب سنّك تفر مبسوطةْ
سكّيت البلالي لامن وقعْ في البُوطةْ

وشرح هذا المقطع الشعري المادح هو باختصار:
يا أيها الزبير الفارس المغوار، صاحب اللحية الحسنة، وغير القبيحة أو الشائهة. والذي عندما يحمى الوطيس وتشتد الحرب، يفتر ثغرك مبتسما في حبور، كناية عن الجسارة والثبات وعدم الاكتراث للمخاطر. لقد عدوت خلف البلالي وطاردته وقاتلته، حتى خر صريعاً في بركة عطنة.. الخ

الزبير باشا وحادثة البلالي في تاريخ نعوم شقير:

عرض نعوم شقير في سفره الكبير ” جغرافية وتاريخ السودان “، لأبرز وأهم ملامح نشاط الزبير باشا التجاري والعسكري والسياسي في دارفور وخصوصا في بحر الغزال التي استقر بها، وصار له بها نفوذ عظيم بل كيان سلطوي معتبر منذ خمسينيات القرن التاسع عشر.
وقد ذكر شقير في هذا الخصوص على سبيل المثال، أن الزبير رحمة قد أبرم في عام 1866م، معاهدة مع شيوخ قبيلة الزريقات وزعمائها، وافقوا بموجبها على فتح طريق ” شكّا ” الذي كان يربط بين بحر الغزال وما وراءها وسائر اقاليم كردفان شمالا، ومن ميزاته انه كان طريقاً قصيراً نسبياً بالمقارنة مع الطرق الاخرى. كما تعهد الزريقات بموجب ذلك الاتفاق ايضاً، بعدم التعرض للقوافل التجارية، ولكافة العابرين والمسافرين فيها، باي عمليات سلب ونهب واعتداء، في مقابل ان يتحصلوا رسوما مالية محددة بضمانة الزبير باشا على تلك التجارة العابرة لديارهم، تسهيلا لمرورها. وقد ظلت تلك المعاهدة محترمة ومرعية من جميع الاطراف لنحو اربعة أعوام تقريبا.
وبنهاية تلك السنوات الاربع من الهدوء واستقرار انسياب القوافل التجارية، وما حققه ذلك من رخاء وازدهار للجميع، نقض الزريقات الاتفاق، بان اعتدوا على بعض التجار وانتهبوا اموالهم، ثم ما لبث الصدام ان احتدم بين جيش الزبير باشا من البازنقر ومسلحي عرب الزريقات، فدارت بين الطرفين حرب طاحنة، اسفرت عن انتصار ساحق للزبير على الرزيقات، واستيلائه على عاصمتهم ” شكّا “.

وفي ذاك العام 1873م نفسه، صدر فرمان من الخديوي بالقاهرة، بتعيين الزبير باشا حاكما على بحر الغزال.
ثم دخل حاكم دارفور، السلطان ابراهيم بن محمد حسين الملقب ب ” ابراهيم قرض ” على الخط، إما بتحريض من الرزيقات، أو سعياً للمحافظة على مصالح سلطنته وهو الأرجح، مما جعل المواجهة محتومة بين جيش سلطان دارفور وقوات الزبير باشا، حيث التحم الجيشان في معركة ضارية بضواحي بلدة ” منواشى ” في العام التالي 1874م ، ومرة اخرى كان النصر في تلك المعركة حليف الزبير باشا ، الذي هزمت قواته جيش السلطان ابراهيم قرض الذي لقي هو نفسه مصرعه في تلك المعركة، لكي يبسط الزبير باشا بعدها سيطرته على سلطنة دارفور بأسرها، باسم الادارة المصرية في السودان، التي سرعان ما ضمتها الى أملاكها هناك.
أما فيما يتعلق بحادثة البلالي على وجه التحديد، فان نعوم بك شقير يقول عنها ما يلي في كتابه المشار اليه، نقلاً عن الزبير رحمة:
” في سنة 1286هج/1869م( وهي السنة التي ذهب فيها صموئيل بيكر لفتح خط الاستواء )، قدم رجل من الخرطوم من متخلفة حُجّاج الغرب، يُقال له الحاج محمد البلالي، بقصد احتلال بحر الغزال، ومعه سريته من العساكر مؤلفة من 200 من العساكر المنظمة السودانية، عليهم الصاغ محمد أفندي منيب، و 400 من العساكر الباشبوزك عليهم السنجك كُوشوك علي و 600 من الخطرية.
فطاف بلاد بحر الغزال، ودخل زرائبها، وقرأ لأصحابها فرمان الحكومة بتسميته مديراً على بحر الغزال. فمنهم من طاع وسلّم، ومنهم من عصى فحارب أو فرّ. ثم وجّه حملته عليّ. فجمعت جيوشي ومن لجأ إلي من أصحاب الزرائب المجاورة لي، وكمنتُ له في خور على الطريق. فلما اقترب من الكمين، أشعلتُ النار في جيشه فقتلته، وقتلت بعض عسكره، وأسرتُ الباقي .. الخ “.

واقعة البلالي في مذكرات الزبير باشا:

أجرت صحفية بريطانية أسمها: فلورا شو ، مقابلة مطولة مع الزبير باشا عندما كان منفياً بجبل طارق، بقرار من الحكومة المصرية، في ثمانينيات القرن التاسع عشر، وذلك بعد ان تعقد الوضع في السودان كثيراً في تلك الحقبة، وخصوصاً بعد اندلاع الثورة المهدية، واخراجها للمصريين منه عنوة بحلول عام 1885م، وهو عام انتصار الثورة المهدية في السودان، واستيلاء الإمام المهدي وأنصاره على الخرطوم، بتاريخ 26 يناير 1885م، وقبل ذلك ما وصف بانه تمرد شنه ابنه وخليفته على حكم بحر الغزال، المسمى سليمان الزبير، ضد سلطة الادارة المصرية التركية بالخرطوم ، مما ادى الى تنفيذ حكم بالإعدام عليه وعلى عدد من اعوانه، بواسطة الايطالي جيسي باشا، وما تلا ذلك من فرار رابح فضل الله احد كبار اعوان الزبير، بقسم كبير من جيش الزبير، توجه به غرباً حتى بلغ مملكة كانم برنو وباقرمي واسقطهما، واستولى عليهما، وجمعهما معاً في سلطنة مستقلة تحت حكمه، وهو الأمر الذي حدا ببعض المصادر الفرانكفونية خاصةً، الى تلقيبه ب ” نابليون افريقيا “.
نشرت فلورا شو تلك المقابلة مع الزبير باشا في عدد عام 1887م من مجلة: مراجعات معاصرة Contemporary Reviews ، وقام السفير خليفة عباس العبيد 1914 -2000م بترجمة تلك المقابلة الى اللغة العربية، وأصدرها في كتاب بعنوان: الزبير باشا يروي سيرته في منفاه بجبل طارق.
وقد تطرق الزبير باشا في افاداته لفلورا شو، إلى كافة تفاصيل حياته ونشاطه منذ طفولته، مرورا بفترة اقامته ونشاطه التجاري بجنوب السودان عموما، ومنطقة غرب بحر الغزال على وجه الخصوص. وقد حرص الزبير في تلك المقابلة بصفة خاصة، على نفي ممارسة النخاسة والمتاجرة في الرقيق التي طالما وصم بها نفياً قاطعاً، حيث اقسم للصحفية البريطانية قسما مغلظاً بانه لم يبع آدمياً في حياته قط، بيد انه قد اعترف لها بانه قد اشترى رقيقاً وأعتقهم، وضم المعتقين جنودا بجيشه الخاص.
أما فيما يتعلق بحادثة البلالي، فقد أكد الزبير فيها، ما نقله نعوم شقير عنه أيضاً، بأنه قد هزم جيشه وطارده هو بنفسه، ولحق به ًوقتله بيده، خلافا لما ذكره ريتشارد هل، من أن قاتل البلالي، كان هو رابح فضل الله على حد زعمه.
كذلك تطرق الزبير في تلك المقابلة الى اتفاقية السلام وعدم العدوان وحرية التجارة بينه وبين الرزيقات، التي استمرت قائمة على ما يرام لمدة أربعة أعوام، شهدت فيها تلك المنطقة ازدهاراً ورخاء اقتصاديا ملحوظاً، وحقق فيها الزبير نفسه ثروة مالية طائلة، حيث قدّر دخله هو نفسه لفلورا شو ، بنحو اثني عشر الف جنيها مصرياً في الشهر.
ولعل تلك الثروة الهائلة، مضافاً اليها القوة العسكرية المعتبرة، فضلا عن الشخصية القيادية الطموحة التي كان يتصف بها الزبير باشا، وذات الكاريزما العالية، قد أوغرت عليه الكثير من الصدور داخلياً وخارجياً، وإذ ذاك، فانه ليس بمستبعد ان تكون الخديوية في القاهرة والحكمدارية بالخرطوم، قد ضاقتا كلاهما ذرعاً بالزبير وبطموحه الطاغي، وربما تكونا ضالعتين بالفعل، في الايعاز لمحمد البلالي ومساعدته للقضاء على حكمه، ووضع حد لنفوذه. ولعل البينات الظرفية – على الاقل – تشي بشيء من ذلك.

السياق العام للأحداث عالمياً وإقليمياً ومحليا:

جرت الاحداث التي نحن بصددها هاهنا، في إطار سياق دولي واقليمي ومحلي محدد، هو السياق الذي كان سائدا خلال الربع الاخير من القرن التاسع عشر بجميع ملامحه وملابساته، وفي كنف دوائر من الصراعات على الهيمنة والنفوذ في الأساس، صراعات يأخذ بعضها برقاب بعض، وترتبط فيما بينها ارتباطا عضوياً وثيقا على التوالي.
فعلى المستوى العالمي، شهدت بواكير تلك الحقبة سعى القوى الاوروبية لتثبيت أقدامها عبر جحافل مكتشفيها ومغامريها وعلمائها وجواسيسها ومبشريها في مختلف بلدان العالم الثالث، سعياً وراء ضمان مصادر الموارد الطبيعية المختلفة والمواد الخام، لتأمين تشغيل مصانعها المختلفة، مع بدايات نهضتها الصناعية الحديثة آنئذٍ، وكذلك لتامين الاسواق اللازمة لتصريف منتجاتها الصناعية في المقابل مستقبلا.

وهو ذات المسعى الذي سوف يتطور لاحقا لكي يتبلور عبر اتفاقيات فيما بين القوى الاوروبية فيما يلي القارة الافريقية بالتحديد، تتوجت بانعقاد مؤتمر برلين 1884م، الذي تقاسمت بموجبه تلك الدول الاستعمارية الاوروبية، البلدان الافريقية كمستعمرات لها فيما بينها.
لقد مهدت معظم الدول الاستعمارية الغربية لتكريس نفوذها، وغرس ورعاية مصالحها في الاراضي الافريقية المختلفة، وخصوصا في وادي النيل وما وراءه من حزام الهضبة الاستوائية الغنية بالموارد الطبيعية الهائلة، بعقد علاقة اشبه بزواج مصلحة بين الطرفين، حيث عمدت الى التقرب من محمد علي والي مصر وخلفائه من بعده ، كمفاتيح لا غنى عنها من أجل تحقيق تلك الغاية، وذلك من خلال تشجيع ابنائها للعمل معهم كمستشارين، وضباط واداريين، و خبراء، ومهندسين، وزراعيين، وجيولوجيين ، ولكن ايضا كعلماء نبات واثار ومستكشفين ومبشرين بالدين المسيحي وهلم جرا، فانتشروا في مختلف أصقاع المنطقة المستهدفة كرواد وأدلاء، بل عيون وآذان لدولهم، التي جاءت بجنودها وعتادها العسكري لاحقا، فاحتلت تلك الأراضي، للمنفعة الخاصة بكل منها.
وفي المقابل، استفاد محمد علي وبنوه من معرفة وخبرة اولئك الرواد الاوروبيين ، في تثبيت أركان امبراطوريتهم في افريقيا، بل انه قد تمكن في معظم الاحيان من الحصول على قدر كبير من السند السياسي والدبلوماسي والقانوني نوعاً ما، بمعنى إضفاء نوع من الرضا والشرعية على تحركاته وسلوكه في افريقيا، في مقابل اتاحته الفرص الواسعة للمغامرين والمستكشفين الاوروبيين من التحرك بحرية في ارجاء امبراطوريته، بل اسناده اليهم ارفع الوظائف والمهام السياسية والادارية والعسكرية، فضلا عن سعي محمد علي لاكتساب الاوروبيين عموما الى جانبه في صراعه المستتر غالبا، بل الواضح احيانا مع الامبراطورية العثمانية.
وهنا تقفز الى الذهن مباشرة أسماء معينة لرواد ومستكشفين اوروبيين عديدين، ارتبطت تحركاتهم وانشطتهم في سودان وادي النيل وغيرها من بلاد وسط افريقيا والهضبة الاستوائية، بعلاقتهم الخاصة والقوية مع اسرة محمد علي باشا الحاكمة في مصر طوال القرن التاسع عشر. تلك لعمري اسماء مثل: السويسري جون لويس بوركهارت، والفرنسي فريدريك كايو، والفرنسي لينان دي بلفون، والالماني ادوارد روبيل، والالماني امين باشا، والايطالي جيسي باشا، والنمساوي سلاتين باشا، والانجليز غوردون باشا، وهكس باشا ، وصموئيل بيكر، وسبيك، وليفينجستون وغيرهم على سبيل المثال فقط.
أما على المستوى المحلي، فمن المؤكد أن العامل الاقتصادي، قد شكل سبباً رئيسياً في اصطدام الزبير باشا بسلطنة دارفور على سبيل المثال. فباستيلائه على اقليم بحر الغزال الغني وبسط سيطرته عليه، حرم الزبير سلطنة دارفور من مورد مهم لتجارتها المتمثلة بصفة اساسية في رقيق دار فرتيت، إلى جانب بعض السلع الاخرى مثل العاج، وريش النعام، والعسل، والجلود، وبعض المحاصيل الزراعية الاخرى، وغيرها، لكي يستفيد منها هو بالدرجة الاولى، ويجمع من ذلك ثروة مالية هائلة، الامر الذي اثار عليه حنق سلطان دارفور وبعض القوى المحلية الاخرى الناشطة في ذات المنطقة، التي تضررت مصالحها، وخصوصاً الرزيقات، ولاحقا حتى بعض منافسي الزبير من التجار الجلابة أنفسهم، مثل الدنقلاوي ” إدريس أبتر ” مثلاً، على نحو ما تشير المصادر التي تطرقت الى أدبيات تلك الحقبة الى ذلك.
وفي ذات السياق، يشدد الدكتور محمد سعيد القدال، على مسألة توسع الامبراطورية المصرية في افريقيا عموما، وفي سودان وادي النيل على وجه الخصوص في القرن التاسع عشر الميلادي، تحت ظل حكم اسرة محمد علي باشا 1769 – 1848م وأسرته، مع اشارة خاصة الى محاولات التوسع في بحر الغزال ودارفور. ويعمد الى ربط ذلك ببداية تصاعد الصراع بين الدول الرأسمالية، على خلفية سعيها المحموم، وتكالبها الحثيث من اجل الحصول على موارد البلدان الافريقية، التي كانت في أمس الحاجة اليها لصناعتها الناهضة آنئذ.
كما يشير القدال الى دور الجلابة في بحر الغزال، وامتلاكهم الزرائب والكبانيات والمليشات المسلحة الخاصة، من أجل حراسة تجارتهم ومصالحهم ونفوذهم.
ويذكر الدكتور القدال في هذا السياق بالتحديد ما نصه:

” ارتبط ضم بحر الغزال بشخصيتين من الجلابة هما: الحاج محمد الهلالي أو البلالي، والزبير رحمة منصور “.

ويبدو أن الدكتور القدال كان يعتقد كما اعتقد ريتشارد هل قبله، في صحة نسبة اللقب ” الهلالي ” الى ذلك المغامر ” البلالاوي ” ايضا. ولعله قد هفا كذلك، عندما نسب محمد البلالي الى فئة الجلابة، التي تدل في ذلك السياق حصراً، على ابناء المناطق النيلية بوسط وشمال السودان، الذين يرتحلون أو يهاجرون ويسافرون لأغراض شتى، الى مختلف انحاء السودان الاخرى، وخصوصا الى غرب السودان وجنوبه، وكذلك الى بعض أراضي بلاد السودان الاوسط. والحق هو ان محمد البلالي ليس من الجلابة بهذا التوصيف الآنف ذكره، في شيء مطلقا. وفي الواقع، فإن القدال لم يكتف بنسبة محمد البلالي إلى فئة الجلابة فحسب، بل إنه أورد غالباً نقلاً عن مصدر لم يسمه، بأنه قد كان من أصل مراكشي.
أما الاستاذ ضرار صالح ضرار، فقد نحى منحىً آخر في المقاربة والتحليل لشخصية الزبير باشا عموماً ، وخصوصا من حيث خلفيته الاجتماعية، وتكوينه الثقافي، وقناعاته الفكرية، وميوله الايديولوجية، قد يكون جديراً بالتأمل فعلا، وربما مثلت استنتاجاته – ولو جزئياً – بعض اهم العوامل التي ربما تكون قد حملت بعض الاطراف الخارجية خاصة، على وضع العراقيل امام مشروع الزبير باشا، بل السعي المتعمد ربما إلى تعطيله تماما، وذلك عن طريق احتجازه في مصر أولاً، ثم نفيه بعد ذلك الى جبل طارق ثانيا، وانتهاء باغتيال ابنه سليمان وبعض اعوانه، مما اضطر معظم جيشه الى التفرق في الامصار، وانتهاء سلطنته بالتالي. هذا بالإضافة إلى أن ضراراً قد أورد بعض المعلومات والوقائع ذات الاهمية الخاصة، مثل اشارته لعزم محمد علي باشا الوثوب على دارفور وضمها لأملاكه منذ غزو قواته السودان في عام 1820م، وخصوصاً فيما يلي علاقة الزبير باشا ببلاط الخديوي في القاهرة. وقد كتب ضرار في ذلك ما نصه:
” كانت سلطنة دارفور من الاحلام التي تمنى محمد علي باشا تحقيقها، فأرسل الدفتردار اليها، ولكن لم يستطع التقدم نحوها، واكتفى بالاستيلاء على كردفان في شرقها. وبالرغم من مرور أكثر من أربعين سنة على سقوط الابيض، الا ان مصر لم تستطع الوصول الى دارفور والاستيلاء عليها. ولم يتم لها ذلك الا على يد أحد المغامرين السودانيين الذين كانوا يؤمنون إيماناً قاطعاً بوجوب الوحدة في الامة الاسلامية، والذي كان بحكم ثقافته الدينية في ذلك العصر، ينظر الى مصر على انها مركز للوحدة الاسلامية، وللخديوية على أنها ممثل سلطان المسلمين في مصر والسودان…. كان ذلك الرجل هو الزبير رحمة من قبيلة الجعليين… دخل الزبير بحر الغزال ودارت بينه وبين ملوك القبائل عدة مناوشات انتهت بانتصاره عليهم، وتأسيس حكومة هو رئيسها، تحكم المنطقة حكماً إسلامياً، بعد أن كون لنفسه مجلساً للشورى من بعض العلماء، لإقرار احكامه في تلك المناطق.
ومن الجدير بالملاحظة، أن حكومة الزبير هي أول حكومة اسلامية تقام في بحر الغزال. وفتح للتجار الشماليين أبواب تلك المنطقة التي كانت تحت حكمه، تنعم بالهدوء والامن “.
ضرار صالح ضرار، تاريخ السودان الحديث،
ثم يمضي ضرار صالح ضرار، لكي يبين بان تلك الفترة من الهدوء والاستقرار ببحر الغزال تحت حكم الزبير باشا لم تدم طويلا، اذ سرعان ما عين الخديوي اسماعيل المغامر محمد البلالاوي حاكما على بحر الغزال وامده بالعتاد والسلاح والرجال ، فكان ما كان من امر اصطدامه بالزبير باشا وجيشه القوي، انتهاء بمصرع البلالي على يد الزبير في عام 1872م، ثم هزيمة الزبير للرزيقات في العام التالي 1873 ، التي علا بعده نجمه وصار الحاكم المطلق بتلك المنطقة ، حتى اضطرت الخديوية للاعتراف به تماشيا مع الامر الواقع فيما يبدو، فمنحه الخديوي رتبة البكوية
، وكافأها هو بدوره في مقابل ذلك، بان ضم دارفور تحت سلطانها، بعد ان هزم جيشها في معركة ” منواشى ” في عام 1874م، تلك المعركة التي انجلت عن مصرع سلطان دارفور نفسه ” إبراهيم قرض “.
ولكن التوتر في العلاقة بين الزبير والخديوية المصرية لم ينقشع تماما، وذلك على خلفية تضخم وضعه في بحر الغزال بأكثر من اللازم في نظرها بالطبع، وقضائه على مبعوثها البلالي وجيشه، وكذلك بسبب ان الحكومة المصرية قد كانت مدينة للزبير باشا بمبالغ مالية ضخمة، نتيجة معاملات تجارية متراكمة بينهما لعدة اعوام. وبإزاء ذلك الوضع، لم يكن هنالك بد من ايجاد تسوية بين الطرفين عن طريق التفاوض، وذلك نظرا لان كلا منهما كان محتاجاً للآخر بشدة، حفاظا على مصالحه، وحرصاً على استدامتها. وقد جاء في المصادر أن الشخص الذي تولى الوساطة بين الجانبين، هو مدير بربر آنئذ، الشيخ حسين بك خليفة العبادي.
لم تسفر تلك الوساطة عما كان يأمل فيه الزبير باشا فيما يبدو، من جراء مماطلة المصريين وتباطؤهم في حسم النزاع، فعمدوا الى حيلة اخرى، تمثلت في الطلب الى الزبير الذهاب الى القاهرة رأسا، بحجة بحث كافة مطالبه مع المسؤولين هناك كما زينوا له في البداية ، ولكن الامر انتهى بالزبير الى ما يشبه الاسر والاحتجاز في مصر، مهملاً تجارته الرائجة في بحر الغزال، وحكمه الوليد لذلك الإقليم، الذي خلف عليه ابنه سليمان، الشاب قليل الخبرة، الذي استفردت به وتناوشته الذئاب من منافسي ابيه وحاسديه واعدائه ، من الوطنيين والأجانب على حد سواء، حتى انتهى به الامر، وقد نفذ فيه الايطالي جيسي باشا، حكماً بالإعدام، بوشاية من غوردون باشا، كما تشير بعض المصادر.
خبر البلالي في رحلة ناختيقال إلى دارفور:

كتاب رحلة المستكشف الألماني: غوستاف ناختيقال إلى وداي ودارفور، التي أنجزها في العامين 1873 / 1874م، متزامنة مع نهاية حكم سلطان دارفور: محمد حسين، وبداية الحكم القصير للغاية، لابنه وخليفته السلطان إبراهيم قرض، يعد من المصادر المعتبرة، والتي لا غني عنها، عن تاريخ تلك الحقبة بسلطنة دارفور، ومجريات الأحداث فيها، بما في ذلك واقعة محمد البلالاوي مع الزبير باشا، التي حدثت لحسن الصدفة في عام 1872م، أي قبل عام واحد فقط من وصول ناختيقال إلى الفاشر في عام 1873م، مما يجعل تفاصيلها حية وواضحة وأكثر دقة، وبالتالي فإن الرواية التي أثبتها ناختيقال، ربما تكون هي الأجدر بالاعتماد والتصديق من غيرها، نسبياً بالطبع.
يورد ناختيقال خبر محمد البلالي، رابطاً بينه وبين بداية الخلافات بين مصر وسلطنة دارفور كما قال، وهذه المعلومة، وخصوصاً إيرادها في ذلك السياق، له دلالة خاصة في حد ذاتها. وقد كتب ناختيقال في ذلك قائلاً:
” بدأت الخلافات مع مصر في أواخر عهد حسين، وكان بذرتها أحد الفقهاء الذي عاش طويلاً في دارفور، وينتمي لفتري – أحد بقايا امبراطورية أبو سمين – وكان يقدم نفسه بأنه من البلالة الذين ينحدرون من الأصول العربية، والذين غزوا تلك المنطقة مؤخراً وحكموها. وهم الآن – أي أبو سمين – يشكلون كياناً قبلياً هزيلاً، ويعيشون مشتتين على قرى فتري، والجزر المنتشرة في مستنقعاتها، ويعاملهم البلالة والكوكا بتعال وازدراء. عاش محمد البلالاوي كطالب علم في بلاط السلطان حسين – شأنه شأن العلماء الذين وفدوا من شتى البقاع – ومنحه السلطان أرضاً ليتعيش منها، لكن الوزير المتسلط أحمد شطة، ادعاها لنفسه، واشتجر مع ابني الفقيه، مما أدى لقتل أحدهما. “
ويمضي ناختيقال في ذات الرواية فيذكر أن الشجار بين محمد البلالاوي وابنيه من جهة، وبين الوزير المتسلط أحمد شطة من جهة أخرى، على خلفية التنازع على الأرض التي قيل إن السلطان محمد حسين، الذي كان قد كبر سنه وكُف بصره، وارتخت قبضته على زمام الحكم، ومتابعة أموره في أواخر أيامه، قد منحها لهذا الأخير، فاغتصبها منه الوزير أحمد شطة، قد تفاقم إلى درجة وصل معها الى قيام أحمد شطة باغتيال ابني محمد البلالاوي الواحد تلو الآخر، مما خلف كماً هائلا من الحزن واللوعة والحنق أيضاً في نفس البلالاوي، الذي استأذن السلطان في السفر إلى الأراضي المقدسة بحجة رغبته في أداء فريضة الحج، برجاء أن يزول، أو على الأقل أن يخف ما لحق بنفسه من غم وحزن وتبريح. ثم أنه أقسم للسلطان على المصحف الشريف، بأنه سوف لن يبوح بما حاق به من جور وظلم لكائن من كان، بحسب رواية ناختيقال.
بيد أن محمد البلالاوي قد حنث بقسمه ذاك، ومضى إلى العاصمة المصرية القاهرة، فقابل الخديوي، وأقنعه بحسب رواية ناختيقال، بأنه سليل أسرة حاكمة في دارفور، وأن بوسعه أن يفتح البلاد من دارفور شرقا وحتى الفتري غرباً ووداي بينهما، إذا ما ساعدته الحكومة المصرية، فيجعل كل تلك الأراضي تحت سلطة الخديوية المصرية.
ثم تمضي الرواية التي ساقها ناختيقال، على نفس النسق الذي في باقي الروايات، من تزويد الخديوي بالقاهرة والحكمدار بالخرطوم كليهما للبلالاوي بالمؤن والرجال والعتاد والسلاح، ثم تحركه صوب الجنوب من الخرطوم، ودخوله بحر الغزال، انتهاء باصطدامه مع جيش الزبير باشا في تلك المعركة التي شهدت مصرعه على يد الزبير في عام 1872م كما تقدم آنفا، ويزيدنا ناختيقال أيضا معلومة جديدة، هي أن الزبير باشا قد ضم من نجا من قوات البلالاوي إلى جيشه هو.
ويعلق ناختيقال على رد فعل الحكمدارية في الخرطوم، على نهاية مغامرة محمد البلالاوي على يد الزبير باشا في بحر الغزال بتلك الطريقة بقوله:
” لم تكن الخرطوم راضية عن الزبير لشقه عصا الطاعة، ولكن لبعده عن المركز، ولنجاحه في ضم قوات البلالاوي، وبذله الأموال للحكومة المصرية، نجح في استرضاء الكل، وبذلك استطاع أن يبسط سيطرته على إقليم إداري واسع يشمل مقاطعات بحر الغزال “.

الخاتمة:

من جميع ما تقدم، فإن بوسعنا أن نخلص الى أن هنالك ما يحملنا على الاعتقاد بقوة – على الاقل من خلال البينات الظرفية المتظاهرة – التي عرضنا اليها آنفا، والتي استقيناها من جل المراجع التي تناولت حادثة محمد البلالاوي، ومغامرته الجهنمية في غابات بحر الغزال، في مواجهة الزبير ودّ رحمة ومقاتليه الاشداء من البازنقر، تلك المواجهة التي انتهت بهزيمة قواته، ومصرعه هو نفسه، بأن محمد البلالاوي ربما يكون قد وقع عليه الاختيار بعناية من قبل أعوان الخديوي وأعينه بالقاهرة، والحكمدار بالخرطوم معاً ، وربما يكون التواصل قد تم معه بطريقة ما ، منذ أن كان في دارفور وقبل مغادرته لها ، مستغلين في ذلك، ما لحق به من ضيم وظلم وجور، وموجدة شخصية عميقة على البلاط الحاكم في دارفور، الذي تسبب أو تهاون على الأقل في أمر مأساته القاسية، المتمثلة في اغتصاب الوزير أحمد شطة أرضه التي كان قد أهداه إياها السلطان محمد حسين، ذلك الوزير الظالم الذي لم يكتف بمصادرة أرض البلالي فحسب، بل قام باغتيال ابنيه كليهما الواحد تلو الاخر، لكي يكون البلالي بمثابة رجل المرحلة لرعاية مصالح الخديوية في كل من بحر الغزال ودارفور، حيث عمدت الحكومة إلى تسليحه وتمويله وتزويده بالمؤن والمقاتلين، لكي يقوم بمهمة مزدوجة فيما يبدو، هي القضاء على الزبير باشا وجيشه القوي في بحر الغزال أولاً، بعد أن ضاقت الخديوية بالقاهرة والحكمداربة بالخرطوم فيما يبدو، ذرعا بقوته المفرطة، ونفوذه المتزايد، فضلا عن تبرم مستشاريهم وحلفائهم الغربيين خاصةً، وتضايقهم غالباً من نمط سلوكه وتوجهاته العامة وأفكاره، التي ربما لم تكن تروق لهم، وربما رأوا فيها تهديداً لاستراتيجيتهم ومخططاتهم ورؤيتهم لمستقبل الأوضاع في بحر الغزال وجنوب السودان بصفة عامة، بل سائر حزام الهضبة الاستوائية الافريقية.
أما المهمة الثانية التي من المحتمل أنهم قد عهدوا بها الى الفكي محمد البلالاوي، فهي إسقاط سلطنة دارفور إن استطاع، وضمها لباقي اراضي امبراطوريتهم في سودان وادي النيل وسائر املاكها الاخرى في افريقيا، خصوصاً في ظل تلك الظروف التي كانت تعيشها سلطنة دارفور في نهاية ستينيات القرن التاسع عشر وأوائل السبعينيات منه، حيث كانت السلطنة تمر بحالة ضعف عام نسبي. فقد كبرت سن السلطان محمد حسين حينئذ، وأصاب جسده الوهن، وكُف بصره، فضلاً عن بروز بوادر خلاف حول خلافته على العرش بين مراكز القوى في البلاط، ما بين مجموعة كانت تود توريث ابنه الأكبر: أبو البَشَر ، وأخرى كانت تحبذ توريث نجله الاصغر ابراهيم قرض، وقد حالف التوفيق والنجاح هذه المجموعة الاخيرة، فتم لها ما أرادت، من أمر تنصيب السلطان إبراهيم قرض على العرش لعام واحد فقط بين عامي 1873 و 1874م، الذي شهد نهاية ملكه، بل مصرعه على يد جيش الزبير باشا في معركة منواشى.
لقد ظل ضم دارفور لإدارة الحكم المصري في سودان القرن التاسع عشر، هدفاً استراتيجياً في الواقع، عملت من أجل تحقيقه، منذ أن وطئت قوات اسماعيل كامل بن محمد علي باشا ارض السودان في شهر ابريل من عام 1820م، وقد جاء في بعض المصادر التي عرضت لتاريخ تلك الحقبة، ان محمد خسرو بك الدفتردار، صهر محمد علي باشا، وقائد قواته التي غزت سلطنة المسبعات بكردفان في عام 1821م، وضمتها الى أملاك محمد علي باشا في السودان، قد كان ينوي بالفعل، السير بقواته من الابيض نحو الفاشر لغزوها، الا انه عدل عن ذلك، وانصرف عن تلك الفكرة نسبة لانشغاله بتحركاته وحملته الانتقامية ضد قبيلة الجعليين وحلفائها ، إثر مقتل اسماعيل باشا على يد أفراد هذه القبيلة، وبتدبير من زعيمها ” المك نمر ” بشندي في عام 1823م.
وتأسيساً على ذلك، فلربما جاز لنا أن نفترض أن بعض متعلقات الهوية الشخصية لمحمد البلالاوي، ربما تكون قد زُورت أو تم تحريفها عمداً في بعض تفاصيلها، بهدف الإيحاء بمشروعية تحركه، وأهليته لقيادة ذلك التحرك داخل أرض السودان. ومن ذلك في تقديرنا تلقيب ريتشارد هل له ب ” الهلالي “، والزعم بان أصوله من مراكش كما نقل الدكتور القدال، وكذلك الادعاء بانه قد كانت له ضيعة يملكها في منطقة حفرة النحاس، وان السلطان نفسه قد نازعه عليها ، وانه كان رجلا سليل اسرة نبيلة في دارفور لها وضع وحيثية خاصة، بينما ان حقيقته هي في الواقع، قد لخصتها على الارجح، الرواية التي أوردها عنه غوستاف ناختيقال في كتاب رحلته لدارفور، التي كنا قد اوردناها انفا، والتي جاء فيها أن الفكي محمد ” البلالي ” المذكور ، لم يكن في الواقع حتى من البلالة ، فضلا عن أن يكون من أهل مراكش كما ذكر المصدر الذي نقل عنه الدكتور القدال مثلا ، وإنما هو مجرد نازح طارئ على دارفور نفسها ، أصله من قبيلة متواضعة اسمها ” ابو سمين “، انتسب زوراً الى البلالة كما نقل ناختيقال عن محدثيه في الفاشر، ولأمر ما في تقديرنا، زُورت بعض تفاصيل سيرة البلالي هذا، ونُفخ في شخصيته، وقدمت على نحو يخالف حقيقتها فيما يبدو.
ومهما يكن من أمر في الختام، فلعل من الأسباب التي أدت إلى فشل مغامرة محمد البلالاوي، هو كون أنه كان شخصاً أجنبياً عن السودان عموماً، وعن بحر الغزال وأهلها بالتحديد، ولم تكن له حاضنة اجتماعية، وعصبة مرتبطة به بعلاقة أشبه بالروحية والاسرية، كمثل التي كانت بين الزبير باشا وجنوده البازنقر على سبيل المثال، الأمر الذي كان عاقبته الفشل الذريع لمشروعه الانتحاري، الذي يبدو أنه قد اشتركت في الاستثمار فيه وعولت على نجاحه ، أكثر من جهة داخلية وخارجية، وقد كان لكل أهدافه ومراميه. بالطبع.

ثبت المصادر والمراجع:
1- يوسف فضل حسن وبول دورنبوس (محرران)، بلاد السودان الأوسط: الإرث والتكيف بالإنجليزية، مطبعة التمدن، الخرطوم، 1977م.
2- جماع أرباب بابكر، امبراطورية رابح، ترجمة محمد عطا المنان، مخطوط لدى الباحث نسخة الكترونية منه.
3- تاريخ افريقيا العام، المجلد الخامس، افريقيا من القرن السادس عشر إلى القرن الثامن عشر، إشراف ب. أ. أوغوث، اليونسكو، 1997م.
4- ريتشارد هل، معجم تراجم أعلام السودان من أقدم العصور حتى عام 1948م، ترجمة سيف الدين عبد الحميد النعيم، شركة مطابع السودان للعملة المحدودة، الخرطوم، 1996.
5- نعوم شقير، جغرافية وتاريخ السودان، تقديم د. فدوى عبد الرحمن علي طه، دار عزة للنشر والتوزيع، الخرطوم، 2007م.
6- فلورا شو، الزبير باشا يروي سيرته في منفاه بجبل طارق، تعريب وإعداد خليفة عباس العبيد، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 1995م.
7- محمد سعيد القدال، تاريخ السودان الحديث 1820 – 1955م، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، أم درمان، ط 2، 2002م.
8- ضرار صالح ضرار، تاريخ السودان الحديث، دار مكتبة الحياة، بيروت، ط 4، 1968م.
9- غوستاف ناختيقال، رحلة إلى وداي ودارفور، تعريب سيد علي ديدان، مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي، أم درمان، 2011م.
10- صفحة ” تشاد بالعربية ” على تطبيق فيسبوك، مقال بعنوان: سلطنة البلالة التي حكمت من عام 1365 حتى عام 1922، نشر بتاريخ 16 أغسطس 2016م.
• لأغراض التوثيق والاقتباس والاستشهاد، هذا المقال منشور أيضاً بالعدد الثامن من مجلة: المؤرخ السوداني التي تصدرها الجمعية التاريخية السودانية الصادر بشهر نوفمبر 2024، الصفحات 124 – 140.

 سفير بوزارة الخارجية السودانية وباحث مستقل

اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.