محمد طه القدال: شاعر الثورة وصوت الناس الذي لا يموت

إرث شعري ثوري وذاكرة وطن

منوعات – شبكة_الخبر – يصادف اليوم الرابع من يوليو ذكرى رحيل الشاعر السوداني الكبير محمد طه القدال، الذي غيّبه الموت في الرابع من يوليو 2021 عن عمر ناهز السبعين عامًا، بعد مسيرة حافلة بالعطاء الشعري ألهمت أجيالًا من السودانيين. يعتبر القدال أحد أبرز شعراء العامية السودانية، تميّز بكتاباته ذات العمق السياسي والعاطفة الوطنية الجياشة، وصاغ قصائده بمفردات نابعة من بيئته الثقافية واللغوية في منطقة الجزيرة وسط السودان. صنّفه الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي كواحد من أفضل الشعراء العرب. انطلقت مسيرته الشعرية منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، لكن نجمه سطع بقوة في الثمانينيات حين أصبح صوته الثوري حاضرًا بقوة في الشارع السوداني، وأحد الملهمين لانتفاضة أبريل 1985 التي أطاحت حكم جعفر نميري. كما بقي شعره حاضرًا في وجدان الثوار حتى أسهم في إلهام ثورة ديسمبر 2018 التي أسقطت نظام الإخوان في أبريل 2019.

حياة من الإبداع والمقاومة

ترك القدال دراسة الطب مبكرًا ليتفرغ تمامًا للكلمة، وعمل لاحقًا في تلفزيون السودان القومي، كما كان إلى جانب كونه شاعرًا، عازفًا وتشكيليًا مبدعًا. عُرف بمواقفه السياسية الواضحة، ما جعله عرضة للاعتقالات والملاحقات إبان حكم الرئيس المخلوع عمر البشير، بسبب قصائده التي جاهر فيها بمعاداة الديكتاتوريات وتحريض الناس على الثورة. تغنى بأشعاره كبار الفنانين السودانيين، أبرزهم الراحل مصطفى سيد أحمد وفرقة عقد الجلاد الغنائية، ما رسّخ حضوره في وجدان الشعب. ويعد إلى جانب محجوب شريف ومحمد الحسن سالم حميد أحد أعمدة الشعر السوداني المقاوم، وصوت الناس البسيطة، وحارس لغتهم ومشاعرهم. ولعل قصيدته التي رثى فيها شهداء مجزرة القيادة العامة في يونيو 2019 تظل شاهدة على انحيازه للدم السوداني المسفوك ظلماً، إذ قال فيها:

ما شفتوا الرصاص هضرب؟/ صباح الغدر والبهتان؟/ هداك العسكري الرداح/..

ما شايفنوا كاتل الروح .. كتَل روحوا؟/ ومن بعد الكَتِل يا خيبة قام كضب؟/

فلا برهان بعد ما اتجلبط البرهان بريحة الدم ودم الدم،/ وزعزعة الدبابير بالكضبة تلمع فالصو/

هِن لا هيبة لا فوق الكتِف ترتاح/ مَرَقَت طلقة المطلوق/

ورَكَّت فوق وطن ممهول بيأبى يروح

محطات الرحيل ومأساة العلاج

ولد محمد طه القدال في 12 ديسمبر 1951 بقرية (حليوة) في ولاية الجزيرة، وارتبطت مفرداته ارتباطًا وثيقًا بخصوصية هذه الأرض، حيث قال عنها: «أنا أفتكر الجزيرة لها أثر كبير في اكتسابي لهذه المفردة… ولاية الجزيرة بوتقة فيها كل الأعراق والألسن.. الناس هناك يجمعهم ظرف اجتماعي واقتصادي واحد.. ومن هنا خرجت لغة خاصة بالجزيرة وعامة في نفس الوقت». في أبريل 2021، تعرض القدال لوعكة صحية شديدة اشتُبه في كونها سرطان بنكرياس، فغادر السودان طلبًا للعلاج، لكن إجراءات استخراج تأشيرة السفر إلى قطر واجهت عوائق غير مبررة من السفارة القطرية، وأضاع أهله أكثر من اثني عشر يومًا في انتظار الرد، بينما كانت حالته تتدهور سريعًا. لم تقدم الخارجية السودانية ولا السفارة القطرية تفسيرًا شافيًا لذلك الرفض المفاجئ، الأمر الذي أثار استياءً واسعًا بين أسرته وأصدقائه ومحبّيه. ومع ذلك، لم تفارق الابتسامة وجه القدال وهو يغادر إلى رحلته العلاجية الأخيرة، محاطًا بدعوات الشفاء من محبيه، قبل أن يودع الدنيا تاركًا قصائده تخلّد اسمه في ذاكرة الوطن الذي أحبه وانحاز له حتى آخر رمق.


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *