
في ذلك المساء الجميل، عند الخامسة والنصف (وألطف بقليل)، جلست إلى جواري (هبة المهندس)، فلم يتبقَّ سوى دقائق ونطلّ على الهواء في (مشوار المساء).
كانت مشغولة ببعض الأوراق أكثر من انشغالها بشكلها، فقد منحها الله قبولًا وجمالًا لا يحتاجان إلى كثير دلال.
نتجاذب أطراف الحديث معًا حول البرنامج وكيف سنبدأ، وتقول لي:
أها يا الطيب، أبدأ أنا ولا إنت؟
ثم تتوالى أسئلتها:
يا إخوانا، الضيف أتأخر مش كده؟
أها يا إخوانا، باقي كم دقيقة؟
يا الشفيع، الضيف ده كمان حتنزل بي أغنية؟
مجموعة من الأسئلة الدقيقة، الملحّة، العاجلة، تتداولها بقلق المبدعين.
هكذا كانت (هبة المهندس): هميمة، مرتبة، تهتم بتفاصيل التفاصيل، لطيفة ومهذبة، ولا يأتي منها إلا كل جميل.
وأنا، المتمرد على كل ذلك، أعتمد عليها في الإعدادات والتجهيزات، وزي ما تجي تجي،
فترمقني أحيانًا بنظرات استغراب، كأنما تقول:
يجب أن تتشاركني هذه التفاصيل!
ثم تدخل شارة البرنامج مع الموسيقى، وتسري حالة من السكينة والسكون، ويبدأ البث…
فأقول لها مباشرة:
يلا، خشي!
لأمنحها قوة دفع أكثر.
وتطل (هبة المهندس):
أهلاً بيكم كل مشاهدينا في حلقة تانية جديدة من (مشوار المساء).
وأباغتها بطرفة، أو بكلام خارج النص لأهدي من روعها، فتبتسم، وتنسى كل ما أعدّت له، ونتداعى في بوح المساء وونسة المغربية ولقاء البيوت،
ونتوه مع المشاهدين، وتتألق (هبة المهندس) كل يوم وتزداد بريقًا.
وقد مشينا معًا مشاوير مليئة بالمتعة والشغف، وصل المحبين وتلاقي الناس…
ما دعاني للكتابة اليوم يا (هبة)، هو هذه العودة الميمونة بعد وعكتك.
فالمرض ابتلاء لمن أحبه الله، وأقدار مقسومة من عند الإله.
لكن ما حفزني أكثر هو قدرتك على الصمود والتحدي، وأنا أتابع عودتك للعمل واستقبالك المهيب بعد هذه الوعكة وذلك الامتحان.
إيماني مطلق، ويقيني تام، وإحساسي مطمئن، بأنك كنتِ قادرة على التجاوز، عصية على الركون،
وليس هذا من باب الدعم والمؤازرة فحسب، بل من واقع المعرفة والمثابرة.
فمنذ أن عرفتك، وتوافقنا في هذا البرنامج المحفور في ذاكرة الناس وقلوب الأحبة،
عرفتك ودودة، محترمة، لطيفة، ظريفة، فاهِمة، دارسة، وست واجب،
هميمة، عظيمة، كبيرة، أميرة،
طموحة، وفي المعرفة لحوحة،
مؤمنة، نقية، صابرة، وقادرة.
هذه الصفات تجعلك دوماً مؤهلة للاختبار، مهيأة للاختيار، قادرة على العبور، وعلى موعدك دائمًا مع الضياء والنور.
لذلك فلست قلقًا عليك يا هبة… يا بنت السرور.
وها أنت تعودين بأسرع مما توقع محبوك، بعد هذه الوعكة المكتوبة.
أولم أقل لك إنك قادرة…؟
هذه برقية تهنئة على هذا الصمود المذهل في وجه المرض ووش الزمان الشين،
والذي يتقهقر أمام جمال الروح، وبهاء النفس، ونقاء الدواخل،
وقد أخذتِ منها كلها طيبًا وعطرًا ونصيبًا.
تقدمي أنت لها…
وقد شاهدتُ استقبالك المهيب من زملائك في العمل وهم يحتفون بألق العودة وجمال الحضور،
فصفقت لك من مكاني.
فاطمئني يا فتاتي…
كل ما بات يرتجع، فليعد، ولتعد لنا فرحة العيد والأمل…
هذه هي هبة المهندس التي أعرفها، وشرفت بذلك..!
كسرة:
بتتذكري يا هبة المغترب الذي عزم التقدم للزواج منك؟
ذلك الذي أرسل برقية في البرنامج، قال إنه جاد وعايز يتزوجك،
وأرسل سيرته الذاتية كاملة،
وقال ليك:
لو لبستي خمار أسود معناها موافقة.
ومرت الأيام والأسابيع ونسينا القصة،
وفي إحدى الحلقات، وأثناء الفاصل، فاجأتني هبة وقالت لي:
الحقني يا الطيب…
قلت ليها:
في شنو؟!
قالت لي:
شوف أنا لابسة شنو؟
برضو ما انتبهت…
قلت ليها:
شنو يعني؟
قالت لي:
(خمار أسود)
معناها وافقت
طوالي تذكرت القصة، وانفجرنا بالضحك…
غايتو البركة في اللحظات الخيالية التي منحتها لذلك العريس المستتر،
دي بتكون أجمل حلقة في حياتو، ولسان حاله يردد:
قل للمليحة في الخمار الأسود
ماذا أردت بناسك متعبد؟
كانت وستظل وستبقى (هبة المهندس) أيقونة سودانية،
ومذيعة يشهد لها الزمان،
وقد تابعناها عبر (البودكاست) مؤخرًا، وهي بذات الألق والحضور،
فمزيدًا من النجاح الذي يشبهك.
سآتي لأقدم معك حلقة خاصة من (مشوار المساء)،
احتفاءً بالعودة، واحتفالًا بالحضور.
كوني دوماً بألف خير،
وربنا يحفظك ويديك من الخير بالكتير.
وإلى أن نلتقي مجددًا في مشاوير جديدة،
امتدادًا لمشوار المساء الذي كنا نقضي فيه ساعة من عمر الزمان نتسامر مع الناس ونتونس مع المشاهدين،
توزعين العطر، واللحن، والابتسامة، وكل الجمال…
زمان الناس هدوء بال، وأنت زمانك الترحال…
زميلة، وعزيزة، أختًا، ورفيقة…
والغريبة، الساعة جنبك تبدو أقصر من دقيقة.
تقدمي يا امرأة، ولا تبالي، فأنت لها،
قوية، عابرة، نقية…
كوني دوماً بخير.
🖋 الطيب عبد الماجد
اكتشاف المزيد من شبكة الخبر
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.