الشفيع خضر يكتب : آلية تنفيذ مبادرة الخبراء لوقف الحرب في السودان

د. الشفيع خضر سعيد 

تناولنا في مقالنا السابق مساهمة مجموعة من الخبراء السودانيين المستقلين، أو غير المنتمين حزبيا، في صياغة رؤية سودانية لوقف الحرب ضمنتها في مبادرة موجهة إلى القوات المسلحة السودانية، وقوات الدعم السريع، والقوى السياسية والمدنية السودانية، وقوى الثورة والمجموعات الشبابية، إضافة إلى المجتمع الدولي والإقليمي بمكوناتهما المختلفة. الجديد في مساهمة أو مبادرة الخبراء المستقلين هذه أنها لم تتوقف عند العموميات والعناوين، وإنما أتت مصحوبة بآليات لتنفيذ ما جاء في بنودها من عناوين ومقترحات، ومصحوبة أيضا بخارطة طريق لكيفية تحقيق الانتقال الديمقراطي في مرحلة ما بعد توقف الحرب. بالنسبة لخارطة الطريق، نكتفي بالإشارة إلى أنها مقسمة إلى أربعة محاور، المحور الأول يتعلق بالحكومة الانتقالية من حيث كيفية تشكيلها ومهامها وتحدياتها ومهدداتها، كما يتعلق بمسألة الشرعية مقترحا تكوين البرلمان الانتقالي عن طريق الانتخابات التصعيدية بدءا من مجلس الحي. ويتناول المحور الثاني البرنامج الاقتصادي الإسعافي من حيث تحديد الأولويات الخاصة بمعالجة الانهيار الاقتصادي وتوفير السلع الضرورية والخدمات الأساسية وعودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم. وخصص المحور الثالث للعدالة الانتقالية ويشمل تعريفها وآلياتها وكيفية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال، كما يشمل تكوين مفوضية العدالة الانتقالية وسن قانون لها وتشكيل أذرعها المساعدة مثل لجان الحكماء، ولجان التحقيق الوطنية، والآليات التقليدية المحلية. أما المحور الرابع فيتناول كيفية معالجة آثار الحرب واستقطاب الدعم لإعادة الإعمار.

ولتحويل المبادرة إلى خطة عملية واضحة وقابلة للتنفيذ، اقترحت مجموعة الخبراء المستقلين آلية لتنفيذ بنودها عبر ثلاث مراحل، تنفذ في كل مرحلة خطوات عملية مدروسة وفق مواقيت زمنية محددة. المرحلة الأولى هي مرحلة الإعداد والتأسيس، ويستغرق تنفيذها من ستة إلى ثمانية أسابيع يتم خلالها إنشاء لجنة تنسيقية عليا لتوجيه دفة المبادرة، وتتكون من خمسة إلى سبعة أعضاء من الخبراء المستقلين. وخلال هذه المرحلة يتم تكوين فرق عمل متخصصة، منها فريق للتواصل مع الأطراف المتحاربة، وفي هذا الصدد يتم الاستفادة من القنوات التقليدية الموجودة كشيوخ القبائل والشخصيات والزعامات الدينية والروحية لترتيب لقاءات غير معلنة. أيضا يتم تكوين فريق للتواصل الدبلوماسي مع المنظمات الدولية، فريق إعلامي لبناء الحملة الإعلامية وإعداد رسائلها، وفريق المراقبة وتطوير آليات رصد الإنتهاكات. ويتم خلال هذه المرحلة تقديم ورقة مخاطر لكل طرف من أطراف القتال توضح العواقب المترتبة على استمرار الحرب أمنيا واقتصاديا وسياسيا وإقليميا ودوليا. كما يتم انتزاع التزامات مبدئية من كل الأطراف بالموافقة على مبدأ الحوار. ومن المتوقع خلال هذه المرحلة التوصل إلى صياغة نهائية لوثيقة المبادرة عبر عقد ورشة عمل مغلقة مع خبراء قانونيين وسياسيين، تناقش ايضا وضع جدول لتنفيذ الأهداف المحددة عبر مراحل قصيرة المدى، مثال: سريان وقف إطلاق النار خلال أسبوعين من الإعلان، معايير قابلة للقياس مثلا عدد الممرات الإنسانية الآمنة، نسبة انخفاض العنف…الخ، مع إرفاق نماذج تفصيلية. أيضا تناقش الورشة نموذج تشكيل الحكومة الانتقالية وإقتراح آلية ترشيح الوزراء.

وتقترح المبادرة فترة ثلاثة إلى ستة شهور لتنفيذ المرحلة الثانية، مرحلة الإطلاق والتنفيذ، وتبدأ بالإعلان الرسمي وحشد الدعم من خلال مؤتمر إقليمي في دولة محايدة، بحضور ممثلين لكل الأطراف السودانية، والمنظمات الأممية والإقليمية، ويخرج بإعلان «الالتزام» موقع من الأطراف السودانية المشاركة. ويتم خلال هذه المرحلة تفعيل آليات وقف إطلاق النار من خلال عدد من فرق المراقبة السريعة مكونة من خبراء دوليين، واستخدام تقنيات الرصد عبر الأقمار الصناعية، وإنشاء غرفة عمليات مركزية داخل البلاد لتلقي البلاغات عن الانتهاكات، وحظر تدفق السلاح بموجب الفصل السابع، ومواصلة الضغط الدبلوماسي المتدرج.

أما المرحلة الثالثة، مرحلة البناء والمتابعة والتي تقدر المبادرة مداها الزمني بستة إلى 12 شهرا، فتتضمن تفعيل آليات نزع السلاح، مثل برنامج «السلاح مقابل التعليم» ويعني تسليم الأسلحة مقابل قسائم ومنح تدريب مهني: كهرباء، ميكانيكا، سباكة…الخ، مدعومة من البنك الدولي، وإنشاء مراكز التسريح وإعادة الدمج في كل الولايات. وخلال هذه المرحلة يتم التركيز على استقرار الحكومة الانتقالية ومتابعة تنفيذ برامجها الواردة بالتفصيل في خارطة الطريق المشار إليها أعلاه، وتشكيل لجنة الحقيقة والمصالحة برئاسة قاض سوداني ويساعده خبير دولي، مثلا المسؤول عن لجنة الحقيقة والمصالحة في رواندا.

ولتمويل تنفيذ المبادرة، تقترح مجموعة الخبراء السودانيين المستقلين إنشاء صندوق ائتماني دولي بضمانة الأمم المتحدة، يبدأ بمبلغ أولي مقداره 500 مليون دولار، مع الالتزام بنشر جميع البيانات والتقارير المالية على منصة مفتوحة، إحقاقا لمبدأ الشفافية. كما تقترح المجموعة ابتداع آليات تقييم وتصحيح وتعديل خطة العمل على ضوء تقارير التغذية الراجعة من فرق العمل في الميدان.

أخيرا، وغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع كل أو بعض تفاصيل ما جاء في مبادرة الخبراء السودانيين المستقلين، وما جاء في آلية التنفيذ التي لخصناها أعلاه، وكذلك ما جاء في خارطة الطريق والتي لا يسمح حجمها بنشرها هنا، لكن يمكن طلبها من مجموعة الخبراء، أرى الإشادة بهذا الجهد الوطني والاهتمام به والتعامل الجاد معه بإدراجه في جدول أعمال القوى السياسية والمدنية السودانية ومناقشته مع ممثلين لمجموعة الخبراء، وذلك في وجهة صياغة رؤية هذه القوى لكيفية وقف الحرب ومنع تجددها، بإعتبارها الجهة الوحيدة المؤهلة لذلك، وباعتبار أن التوافق حول هذه الرؤية هو الأساس لانتظام القوى المدنية والسياسية السودانية في منبر يوحدها أو ينسق فيما بينها. ونختم بتكرار ما رددناه كثيرا بأن يكون على رأس قائمة أولويات القوى المدنية والسياسية التركيز على قضايا ومكونات الرؤية بدلا عن هدر الوقت في البحث عن الصيغ والأشكال التنظيمية لكيفية توحد هذه القوى تنظيميا، وأن تسعى للتوافق حول هذه القضايا من خلال الإجابة على تلك الأسئلة الصعبة التي أيضا ظللنا نشير إليها.


اكتشاف المزيد من شبكة الخبر

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *